نقض قول " ما من عام إلا وقد خُصَّ "
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[16 - 01 - 07, 11:56 ص]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ثم يقال له ثانياً: مَن الذي سلَّم لكم أن العموم المجرد الذى لم يظهر له مخصص دليل ضعيف؟ أم مَن الذي سلم أن أكثر العمومات مخصوصة؟ أم من الذي يقول: ما مِن عموم إلا قد خص إلا قوله (بكل شيء عليم)؟!!
فإن هذا الكلام وإن كان قد يطلقه بعض السادات من المتفقهة، وقد يوجد في كلام بعض المتكلمين في أصول الفقه: فإنه من أكذب الكلام، وأفسده
، والظن بمن قاله أولا أنه إنما عنى " أن العموم من لفظ كل شيء مخصوص إلا في مواضع قليلة " كما قوله (تدمر كل شيء)، (وأوتيت من كل شيء)، (فتحنا عليهم أبواب كل شيء).
وإلا فأي عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنَّة، وفي سائر كتب الله وكلام أنبيائه وسائر كلام الأمم عربهم وعجمهم؟!!
وأنت إذا قرأت القرآن من أوله الى آخره: وجدت غالب عموماته محفوظة لا مخصوصة، سواء عنيت عموم الجمع لأفراده، أو عموم الكل لأجزائه، أو عموم الكل لجزئياته.
فإذا اعتبرت قوله (الحمد لله رب العالمين): فهل تجد أحداً من العالمين ليس الله ربه؟!.
(مالك يوم الدين): فهل في يوم الدين شيء لا يملكه الله؟!
(غير المغضوب عليهم ولا الضالين): فهل في (المغضوب عليهم) (ولا الضالين) أحد لا يجتنب حاله التى كان بها مغضوبا عليه أو ضالا.
(هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) الآية: فهل في هؤلاء المتقين أحد لم يهتد بهذا الكتاب.
(والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك): هل فيما أنزل الله ما لم يؤمن به المؤمنون لا عموما ولا خصوصا.
(أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون هل خرج أحد من هؤلاء المتقين عن الهدى في الدنيا وعن الفلاح فى الآخرة؟! .... .
فالذي يقول بعد هذا " ما من عام إلا وقد خص إلا كذا وكذا ": إما في غاية الجهل، وإما في غاية التقصير في العبارة؛ فإن الذي أظنه أنه إنما عنى من الكلمات التى تعم كل شيء مع أن هذا الكلام ليس بمستقيم.
وإن فسر بهذا لكنه أساء فى التعبير أيضا؛ فإن الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء وانما المقصود أن تعم ما دلت عليه أي ما وضع اللفظ له، وما من لفظ - في الغالب - إلا وهو أخص مما هو فوقه في العموم وأعم مما هو دونه في العموم، والجميع يكون عاما.
" مجموع الفتاوى " (6/ 442 - 444).