[الإمام مالك والمسح على الخفين]
ـ[أبو إدريس الحسني]ــــــــ[15 - 01 - 07, 11:14 م]ـ
أيها الإخوة السلام عليكم
قد يُشكل على البعض عندما يقرأ في بعض كتب المالكية أن الإمام مالكا كان لا يرى المسح على الخفين
والمسح على الخفين متواتر، والإمام مالك أحد رواة هذا الحديث، فما حقيقة الأمر؟
للإجابة عن هذا الإشكال قدّم الأخ الطيب الشيخ عبد العزيز محي الدين الجزائري هذا البحث المفيد
وأدعكم مع البحث.
[الإمام مالك والمسح على الخفين]
*للشيخ عبد العزيز محي الدين الجزائري
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ المسح على الخفين من المسائل المجمع عليها بين علماء الأمة، فلا تفتح كتاباً من الكتب التي اعتنت بمسائل الإجماع إلا وتجده ينص عليها ([1])؛ إذ بلغت الأحاديث التي نصت على المسح على الخفين مبلغ التواتر، فلذلك تجد معظم كتب السنة لا تخلوا أبواب كتبها من باب " المسح على الخفين "، وما ذلك إلا لكثرة الرواة الذين رووا هذا الخبر الذي هو كالغرة في جبين الفرس فقد ُذكر عن الحسن البصري أنه قال: ((حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين)) ([2])، ولم يقتصر الأمر على كتب الحديث بل حتى كتب العقيدة تجدها تنص عليه في جملة المسائل العقدية؛ إذ أصبح شعاراً لأهل السنة به يتمايزون عن أهل الطوائف الضالة.
والإمام مالك رحمه الله، من جملة المحدثين الذين رووا أحاديث المسح على الخفين، وموطؤُه أكبر شاهدٍ على ذلك إلا أن هناك بعض الروايات نقلها الأصحاب عن الإمام مالك تفيد أنه كان لا يرى المسح على الخفين، فهل هذا من الإمام مالك - رحمه الله - إنكار للمسح على الخفين؟ هذا ما أريد أن أجيب عنه من خلال هذا البحث.
وقد قسمته إلى مطلبين أحدهما تكلمت فيه عن موقف الإمام مالك من المسح في السفر والحضر، والآخر تكلمت فيه عن موقف الإمام مالك من المسح في الحضر، وختمت البحث بخاتمة بينت فيها ما استقر عليه الإمام مالك في هذه المسألة.
الإمام مالك وموقفه من المسح على الخفين في الحضر والسفر:
روي عن الإمام مالك أنه قال: ((لا يمسح المقيم ولا المسافر)) ([3])، ظاهر هذه الرواية يدل على أن الإمام مالكاً يمنع المسح على الخفين، ومعنى المنع أن الخبر الوارد في المسح على الخفين لم يثبت عند الإمام مالك أو ثبت عنده إلا أن ثمت معارض عارض به هذا الخبر، وقد جنح الشيخ أبو بكر الأبهري إلى هذا الأخير عندما حاول أن يجد تأويلاً لهذه الرواية، وهذا المعارض من وجهة نظره هو النسخ، فأحاديث المسح على الخفين منسوخة بآية الوضوء ([4])، وهذا التوجيه والتأويل من الشيخ أبي بكر الأبهري يصطدم بحديث جرير الذي قال فيه: (( .... رأيت رسول الله r بال ثم توضأ، ومسح على خفيه)) ([5])، وإسلام جرير t كان بعد نزول سورة المائدة، وهذا يعني أن احتمال النسخ غير وارد البتة.
ويبدو أن هذه الرواية قد شكك في صحتها كثير من محققي المذهب وجهابذته وفي مقدمتهم الشيخ أبو بكر الأبهري الذي قال - عند تأويله لهذه الرواية -: (( .... فإن صحت هذه الرواية .... )) ([6])، ولعل الحافظ ابن عبد البركان يعنيها عندما قال: (( .... رواية أنكرها أكثر القائلين بقوله .... )) ([7])، ووصفها بأنها شديدة النكارة ([8])، وذهب الحافظ أبو العباس القرطبي إلى أنها غير صحيحة (ورواية ابن وهب التي صحت تدفعها) وتخالفها مخالفة ظاهرة ([9]).
ورواية ابن وهب التي أشار لها الحافظ أبو العباس هي ما رواه ابن وهب عن الإمام مالك أنه قال: ((لا أمسح في حضر ولا في سفر)) ([10])، فهذه الرواية صححها غير واحد من نقاد المذهب ومحققيه، ومن بينهم الحافظ أبو العباس القرطبي ([11]).
وظاهر الرواية - كما هو ملاحظ - أن الإمام مالكاً ترك المسح على الخفين في خاصة نفسه، ولم يفت بمنعه على الغير، ((وقد يترك العالم ما يفتي بجوازه)) ([12])، ولهذا نجد الإمام المازري عند تأويله لهذه الرواية يجنح إلى أن الإمام مالكاً اختار لنفسه الغسل على المسح، وإن كان يرى جواز المسح على الخفين ([13])، وهذا مثل ما أثر عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفضلون الغسل ([14]).
¥