تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ذكر الله]

ـ[لطف الله خوجه]ــــــــ[02 - 02 - 07, 01:56 م]ـ

هذا الدين إما: اعتقادات في القلب، أو أقوال على اللسان، أو أعمال على الجوارح.

والكلفة والمشقة إذا فرضناها في الأعمال، فهي في الأقوال أقل وأسهل؛ ذلك لأن القول في العادة أقل مؤونة ومؤاخذة من العمل، وليس دائما، لذا يقال: كلام بلا فعال.

إشارة إلى سهولة الكلام وصعوبة العمل، فاللسان لا يتعب من الحركة المستمرة، والجوارح تتعب.

ومع ذلك، فإن الدين الذي على اللسان ليس أقل أهمية أو ثوابا، من الذي على الجوارح أو القلب، فالإنسان لا يصح إسلامه إلا بإيمان قلبه بالله تعالى ورسوله واليوم الآخر، وهذا الإيمان لا يثبت إلا بإيمان لسانه؛ بالنطق بالشهادة، ولا يسلم له ذلك إلا بعمل جوارحه، من: صلاة، وزكاة، وصيام، وحج.

كذلك هو يخرج من الإسلام بكفر قلبه، أو كفر جوارحه، كما يخرج بكفر لسانه.

فعمل اللسان في الدين مقامه عظيم، وثوابه جزيل، مثل اعتقاد القلب، وعمل الجوارح. وهو العمل الذي يسمى شرعا: ذكر الله تعالى.

ذكر الله تعالى دين وعبادة على اللسان، هذا العضو المتحرك كحركة القلب والأعضاء الباطنة، لا يعرف الكلل ولا الملل، له في حركته هذا من الثواب مثل ثواب عمل القلب والجوارح، وربما في بعض الأحيان أكثر من ذلك، بحسب الإتقان والإخلاص.

تمتاز هذه العبادة بيسرها، وقلة شروطها، وسهولة أدائها، وعظيم أثرها على ظاهر الإنسان وباطنه. ولمن تأمل في معانيها بالدلالات العميقة. فلا تفتقر إلى طهارة، ولا استقبال قبلة، ولا قيام، ولا قعود، ولا وقت، ولا ستر العورة. إنما هي آداب ليست بواجبات.

وفيها من الوعد ما يُعجب له؛ أن يكون ذلك مقابل عمل يسير غير مكلف، ولا شاق. والأمر كما قال الله تعالى: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا}.

فالإنسان في هذا يعامل كريما، وجوادا، برّا، يعطي بغير حساب، ولا يُنقص عطاؤه شيئا من خزائنه، كما قال تعالى في الحديث القدسي:

(يا عبادي!، لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم، وجنكم قاموا في صعيد واحد، وسألني كل واحد منكم مسألته، ثم أعطيته، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيط من البحر).

* * *

(1)

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). [رواه البخاري]

فهاتان كلمتان على اللسان، وكل ما على اللسان خفيف، إذا كان باللسان (= اللغة) نفسه، ثم إن لقائلها أجرا ثقيلا في الميزان، وله القربى من الله تعالى، حيث أتى ما يحبه الرحمن. وقد أتى بوصف الرحمن ليتناسب مع ثقل الأجر في الميزان، فالرحمن هو الذي وسع كل شيء رحمة, وهو الممتلئ رحمة.

وقريب من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر). [رواه البخاري]

هنا: سبحان الله وبحمده مائة مرة. يغفر خطايا مثل زبد البحر؛ أي خطايا كثيرة.

وهناك: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. ثقيلة، وحبيبة.

والمشترك بين الذكرين قوله: سبحان الله وبحمده. ويزيد أحدهما بقوله: سبحان الله العظيم. والآخر: بمائة مرة. وقد ذكر ابن حجر في الفتح [13/ 540، آخر حديث في صحيح البخاري] أن بضم الذكرين بعضهما إلى بعض بقوله: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). مائة مرة: يحصل خير كثير.

* * *

(2)

عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة).

يلاحظ في هذه الأذكار: أن تمجيد الله تعالى والثناء عليه أمر جامع بينها. وهذا أعظم سبب لأثرها في النفوس والأبدان بالصحة والعافية.

والمتوكل على الله حق التوكل معافى وموفق، وهذا الذكر يرشد إلى البراءة من الحول والقوة، فالمعنى: لاتحول من حال إلى حال، ولا قوة على ذلك إلا بعون من الله تعالى وتوفيقه. فهو ذكر فيه الاعتراف بالضعف والنقص، وهذه عبودية لله تعالى هي من أحب العبادات؛ فأحب شيء إلى الله تعالى: الانكسار، والخضوع، والذلة له تعالى والافتقار. وأبغض شيء إليه: التجبر، والتكبر، والغرور، والعجب والاستغناء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير