[ميت الأحياء]
ـ[ابن عمر عقيل]ــــــــ[10 - 02 - 07, 01:06 ص]ـ
[ميت الأحياء]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز الجليل القائل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} والصلاة والسلام على الرحمة المهداة الموصوف بقول الحق جل جلاله {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
وبعد,
جاء عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه صاحب السر أنه سُئل: ما ميت الأحياء؟ قال: من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه.
وكما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت ****** إنما الميت ميت الأحياء
قال الحسن البصري رحمه الله: صدق والله إنه يكون حي الجسد ميت القلب.
يقول ابن القيم واصفاً القلب الميت:
القلب الميت الذى لا حياة به، فهو إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه. فهو بالفكر فى تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور. ينادى عليه إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، فلا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد. الدنيا تسخطه وترضيه. والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه. أهـ
فبما تقدم يا عبد الله تعلم عِظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو حياة القلوب بل هو من أعظم اسباب خيرية هذه الأمة المحمدية , فمتى تغافلت عنه الأمة فقدت العز والتمكين وسيطر عليها الذل والمهانة , والواقع يشهد بهذا ما خلا طائفةً منصورةً وهي القائمة بأمر الله من دعوةٍ لتوحيد الله و أمرٍ بالمعروف و نهيٍ عن المنكر وإقامة شعائر الدين في أنفسهم وفيمن حولهم بما يستطعيون.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان».
يقول ابن تيمية رحمه الله معلقا ً:
وذلك يكون تارة بالقلب؛ وتارة باللسان؛ وتارة باليد. فأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وذلك أدنى ـ أو ـ أضعف الايمان»، وقال: «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».أهـ
ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عطية قوله: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين؛ فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه. وقال حذاق أهل العلم: وليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضا. أهـ
بهذا نعرف أن إنكار المنكر متعين على كل فرد مسلم بالغ عاقل - مستقيم أو مقصر - بالإجماع ولا يسقط عن أحد بحال لأن أقله الإنكار بالقلب وصفة هذا الإنكار مفارقة مكان المنكر , ومن لم يفعل فهو الميت الحي كما قال صاحب السر , وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها أو أنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ". قال الألباني حديث حسن.
ويفسر هذا المعنى الشوكاني رحمه الله في فتح القدير بقوله:
إن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية، ولهذا كان تاركه شريكاً لفاعل المعصية ومستحقاً لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت، فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم، كما مسخ المعتدين فصاروا جميعاً قردة وخنازير "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. أهـ
ولتعلم يا عبد الله أن للشيطان نصيب في تزهيد المسلمين في الإعتناء بإنكار المنكرات , وذلك بتخويفهم تارة ًأو بالتلبيس عليهم تارةً أخرى بدعوى عدم التدخل في شئوون الآخرين وتارةً بإعتقاد البعض بما هو أوجب عليهم من هذا الأمر إما لجهلهم أو لهوى في أنفسهم مثل تجميع الناس حولهم وهذا أخطرها وأكثرها انتشاراً والله المستعان.
يقول ابن القيم رحمه الله:
¥