تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما أكثر من يتعبد لله عز وجل بترك ما أوجب عليه، فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مع قدرته عليه، وبزعم أنه متقرب إلى الله تعالى بذلك، مجتمع على ربه، تارك ما لا يعنيه، فهذا من أمقت الخلق إلى الله تعالى، وأبغضهم له، مع ظنه أنه قائم بحقائق الإيمان وشرائع الإسلام وأنه من خواص أوليائه وحزبه. أهـ

ويقول رحمه الله واصفاً بعض المثبطات عن هذا الأمر: ومن مكايده - ابليس - إنه يزين لهم ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى قالب التودد إلى الناس، وحسن الخلق معهم، متعللاً بقوله تعالى {عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ}. أهـ

وقد قام الصديق رضي الله عنه مرة خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) تضعونها في غير موضعها , وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ". حديث صحيح أخرجه أهل السنن.

وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده, ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» خرجه الترمذي

وهناك شياطين الأنس الذين يثبطون عباد الله عن هذا الأمر ولو عُلم السبب بطل العجب, فكل صاحب معصية لا يحب أن ينفرد بفعل تلك المعصية , لذلك يزينونها لغيرهم ويحثونهم عليها حتى يجدوا من يشاركهم في جنس المعصية لا في عينها "كالزاني الذي يود أن غيره يزني؛ والسارق الذي يود أن غيره يسرق أيضاً؛ لكن في غير العين التي زنى بها أو سرقها" والله المستعان.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وذلك أن كثيراً من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه؛ ويبغضون من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من موالاة كل قوم لموافقيهم؛ ومعاداتهم لمخالفيهم وكذلك في أمور الدنيا والشهوات. أهـ

وقد سخط الله على قوم تركوا التناهي عن المنكرات فيما بينهم , وهم اليهود أنجس خلق الله وهم الملعونون المغضوب عليهم في كتاب الله العزيز , فيجب علينا أن نحذر من مشابهة قوم ذمهم الله في قرآن يتلى الى يوم الدين قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ}:

كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا. فيشترك بذلك المباشر وغيره، الذي سكت عن النهي عن المنكر، مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم. فلو كان لديهم تعظيم لربهم، لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه. وإنما كان السكوت عن المنكر ـ مع القدرة ـ موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة.

منها: أن مجرد السكوت، هو فعل للمعصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه ـ كما يجب اجتناب المعصية ـ فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.

ومنها: ما تقدم، أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.

ومنها: أن ذلك يجرىء العصاة والفسقة، على الإكثار من المعاصي، إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور. ثم بعد ذلك، يضعف أهل الخير، عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أولا.

ومنها: أنه ـ بترك الإنكار للمنكر ـ يندرس العلم، ويكثر الجهل. فإن المعصية ـ مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها ـ يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة. وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله، حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟

ومنها: أن بالسكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض. فالإنسان، مولع بالاقتداء بأحزابه، وبني جنسه.أهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير