ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور ... " اهـ باختصار.
ولابن تيمية رأي آخر، فإنه جعل تفسير ابن عباس لآية النور، أنه أول الأمرين، ولم يجعله مخالفاً لقول ابن مسعود.
فقال " فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن، وهو ستر الوجه، أو ستر الوجه بالنقاب، كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة.
فابن مسعود ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين " اهـ.
انظر مجموع الفتاوى [22/ 111].
قال سمير: وعلى هذا يكون ابن عباس رضي الله عنهما قد ذكر في آية النور أول الأمرين من فرض الحجاب، ثم ذكر في آية الأحزاب آخر الأمرين، وهو الموافق لما قاله ابن مسعود، غير أن ابن مسعود ذكر ما استقر عليه الحكم في آية النور، ولم يفصِّل كما فصّل ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
الخلاصة
وأياً كان الأمر، فإن القائلين بوجوب غطاء الوجه من الصحابة والتابعين كثير، فهو قول مشهور جداً، كما نقلناه عن المفسرين.
ومن قال بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها من المفسرين من الصحابة وأشهرهم ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه نقل عنه ما يخالف ذلك، كما مر معنا في تفسيره لآية الأحزاب الأخيرة، وقد تقدم الجمع بين قوليه.
ولم يقل أحد من هؤلاء إن المرأة يجب عليها كشف وجهها، بل غاية ما قالوه: إنه يجوز لها ذلك، فهاهنا قولان في المسألة:
الأول: جواز كشف المرأة وجهها للأجانب. وهو قول الجمهور.
الثاني: وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الأجانب. وهو قول مشهور.
فمن أين أتى شيخ الأزهر بالرأي الشاذ الغريب، وهو تحريم غطاء الوجه؟
وللإمام الحافظ أبي الحسن علي بن القطان المتوفى سنة 628هـ، كتاب نفيس اسمه " النظر في أحكام النظر بحاسة البصر "، ذكر فيه حكم غطاء الوجه، ونقل كلام المفسرين في ذلك، ومما قاله رحمه الله " إن الوجه والكفين والقدمين، هل يجوز للمرأة إبداؤها أو لايجوز، أعني لللأجانب، وهو موضع خلاف.
ولن نبلغ إلى الكلام في تعيين الصحيح من ذلك، إلا بعد الكلام في الآية، التي هي مستند الباب، وبعد الفراغ منها، نعرض لثلاث مسائل: مسألة في الوجه، ومسألة في الكفين، ومسألة في القدمين.
أما الكلام في الآية، فهو أن نقول: قوله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، نهي مطلق للنساء كلهن، حرة كانت أو أمة، عن إبداء كل زينة، لكل أحد، رجل أو امرأة، أجنبي أو قريب أو صهر، هي مطلقة بالنسبة إلى كل زينة، ومطلقة بالنسبة إلى كل مبدية، ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر.
وَردَ على إطلاقين منها استثناءات: أحدهما على مطلق الزينة، ومخصص به ما ظهر منها، فيجوز إبداؤه لكل واحد.
والآخر: على مطلق الناظرين الذين يبدى لهم شيء من ذلك، فخصص منهم: البعولة ومَن بعدهم، جوّز لها إبداء ما كان زينة لهم على وجه يتفسر بعد، إن شاء الله، من أنه مشترك بين أقربهم وأبعدهم ..
والإجماع منعقد، على أن ما تبديه للمذكورين، أكثر مما تبديه للأجانب، وعلى أن المذكورين متفاوتون فيما تبديه لهم.
فإذاً قد انقسمت الزينة إلى ظاهرة، تبدى لكل أحد، أجنبي أو قريب أو صهر.
وإلى باطنة، منها ما يبدى لجميع المذكورين، ومنها ما يبدى لبعضهم.
فلابد أن ينظر: ما الزينة الظاهرة؟ وما الزينة الباطنة؟ ومن الذي تُبدي لهم من الزينتين؟ أما الزينة الباطنة ما تُبدي منها، ولمن تبديه؟ فسيأتي القول فيه إن شاء الله مستوفىً.
وأما الزينة الظاهرة، فنقول:
نقل عن عبدالله بن مسعود أنها: الثياب. فعلى هذا يلزم المرأة ستر جميع جسدها، ولا تبدي شيئاً منه، وجهاً ولا غيره.
وروي عنه مفسراً أنه قال: الزينة زينتان، ظاهرة وباطنة، فالظاهرة: الثياب. والباطنة: الكحل والسوار والخاتم. ففي هذا أن الوجه، الذي فيه الكحل، لا تبديه إلا لمن أجيز لها إبداء الزينة الباطنة له، البعْل ومَن بعده.
وروى في ذلك هو بنفسه حديثاً .. "
ثم ساق ابن القطان حديث الترمذي من طريق ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
¥