ثم قال ابن القطان " فهذا قول واحد في الزينة الظاهرة، ويشبه أن يكون مقولاً به لبعض الشافعية، وذلك أن لهم قولين في جواز النظر إلى الأجنبية:
أحدهما: المنع، وهو المشهور.
والآخر: الإجازة، مالم يخف الفتنة.
فإذا قلنا: إن كل ما يحرم النظر إليه لا يجوز إبداؤه، فقد يخرج لهم من هاهنا مثل قول عبدالله بن مسعود، في أن المرأة لا يجوز لها إبداء وجهها. وروي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
وقال أحمد بن حنبل: إذا صلت المرأة تغطي كل شيء منها، ولا ظفرها ... ".
ثم قال ابن القطان " وقول ثانٍ في الزينة الظاهرة، وهو: أنها الثياب والوجه. هذا قول يروى عن سعيد بن جبير، والحسن البصري، فعلى هذا يجوز لها إبداء وجهها فقط.
وقول ثالث فيها، وهو: أنها الوجه والكفان. هذا قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم ... ".
ثم أطال ابن القطان في سرد الأقوال في المسألة، وذكر بعض الأحاديث التي استدل بها من أباح للمرأة كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب، وذكر اعتراضات القائلين بوجوب تغطية الوجه والكفين، ثم قال رحمه الله " لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة، لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد، يصيِّر الانصراف تأويلاً، وإذا لم يكن هناك دليل، كان الانصراف تحكماً، فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت به هذه الظواهر وتعاضدت عليه، من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.
لكن يستثنى من ذلك ما لابد من استثنائه قطعاً، وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن، فإن هذا يكون حراماً ... " إلى أن قال " ويبقى علينا بعد هذا المتقرر في حق النساء، من جواز بُدوِّ الوجه والكفين، على غير قصد التبرج، بحكم ضرورة التصرف، ما يخصنا من أمر النظر إلى ذلك: أيمنع مطلقاً؟ أم يجوز إذا لم يخف الفتنة ولم تقصد اللذة؟ يأتي ذكره بعد إن شاء الله ". انتهى باختصار [135 – 172].
قال سمير: قد حكى رحمه الله الخلاف في حكم كشف المرأة وجهها وكفيها، وذكر أدلة القائلين بالجواز واعتراضات القائلين بالمنع، وهو يؤكد أن الخلاف قوي ومشهور، لا كما زعم شيخ الأزهر، غفر الله له.
كلام الفقهاء في المسألة
يبحث الفقهاء حكم ستر المرأة وجهها وكفيها في موضعين من كتب الفقه.
الأول: كتاب الصلاة، في ستر العورة.
الثاني: كتاب الحج، في محظورات الإحرام.
وسأنقل لك أخي القارئ بعض ما جاء في كتب الفقه المشهورة، عن حكم ستر المرأة وجهها.
1 – قال ابن عبدالبر " وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور: على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها.
وقال أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها .. ".
قال ابن عبدالبر " قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها، تباشر الأرض به.
وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة، ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة .. ".
إلى أن قال ابن عبدالبر " اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}. فروي عن ابن عباس وابن عمر، إلا ما ظهر منها: الوجه والكفان. وروي عن ابن مسعود {ما ظهر منها} الثياب. قال: لا يبدين قرطاً، ولا قلادة، ولا سواراً، ولا خلخالاً، إلا ما ظهر من الثياب .. "
إلى أن قال " فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها " ا هـ. انظر التمهيد [6/ 364 – 369].
2 – قال الشيخ علاء الدين الحصكفي في شرح تنوير الأبصار، في كتاب الصلاة، في ستر العورة " وللحرة ولو خنثى جميع بدنها، حتى شعرها النازل في الأصح، خلا الوجه والكفين، فظهر الكف عورة على المذهب، والقدمين، على المعتمد، وصوتها على الراجح، وذراعيها على المرجوح.
وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة ".
¥