وقد ذكر الحافظ في الفتح [3/ 406] في شرح أثر عائشة الذي علقه البخاري، الذي منعت فيه المرأة المحرمة أن تتلثم أو تتبرقع، عن سعيد بن منصور قال " حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها ".
وسكت الحافظ على هذا الأثر، وهو يدل على ثبوته عنده، كما قال في مقدمة الفتح.
أما حديث عائشة الآخر " كنا إذا مر بنا الركبان ... " فقد ضعف الحافظ إسناده.
قال سمير: مذهب عائشة رضي الله عنها في منع المحرمة أن تتلثم أو تتبرقع موافق للحديث في منعها أن تنتقب، لأن ذلك مفصل على وجه المرأة، لكنها لم تمنع المحرمة من أن تسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها، حتى تستتر عن الرجال، وهو يقوي حديثها الآخر الذي ضعف إسناده الحافظ ابن حجر.
6 – قال الحطاب، وهو من علماء المالكية، شارح مختصر خليل " واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين. قاله القاضي عبدالوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح " اهـ.
وقال المواق أيضاً " قال عياض: ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها " اهـ.
انظر مواهب الجليل وبهامشه التاج والإكليل [2/ 181].
قال سمير: قوله " وهو استحباب وسنة " يدل على أن المسألة لها صلة بالإسلام، لا كما ادعى شيخ الأزهر.
7 – وقال الباجي، وهو من علماء المالكية، في كتابه " المنتقى " [2/ 200]، في معرض كلامه عن منع المرأة أن تنتقب وهي محرمة " مسألة: إذا ثبت ذلك فعلى المرأة أن لا تلبس مواضع الإحرام منها مخيطاً يختص به، والذي يختص بالوجه من المخيط النقاب والبرقع، والذي يختص بالكفين القفازان، فوجب على المرأة أن تعريهما من ذلك، ويستحب لها أن تعريهما من غير ذلك من اللباس.
فإن أدخلت يديها في قميصها فلا شيء عليها، لأن ذلك لا يختص بها، ولا سبيل إلى الاحتراز منه، وبالله التوفيق "
ثم ذكر الباجي حديث فاطمة بنت المنذر " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما " (رواه مالك في الموطأ [1/ 328]).
ثم قال " قولها " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات "، تريد أنهن كنّ يسترن وجوهن بغير النقاب، على معنى التستر، لأن الذي يُمنع: النقاب، أو ما يجري مجراه، على ما ذكرناه. وإضافة ذلك إلى كونهن مع أسماء بنت أبي بكر، لأنها من أهل العلم والدين والفضل، وأنها لا تقرهن إلا على ما تراه جائزاً عندها، ففي ذلك إخبار بجوازه عندها، وهي ممن يجب لهن الاقتداء بها، وإنما يجوز أن يخمرن وجوههن على ما ذكرنا، بأن تسدل على وجهها تريد الستر " اهـ.
قال سمير: فاطمة بنت المنذر من خيار التابعيات، وتحكي ما كانت تفعله هي ومن معها في صحبة أسماء بنت أبي بكر، وهي من خيار الصحابيات، ذات النطاق، وهن محرمات يخمرن وجوههن حتى لا يراهن الرجال، والرجال في ذلك العصر من خيار الناس، في القرن الأول الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)). رواه البخاري ومسلم. انظر جامع الأصول [8/ 547].
أقول: وشيخ الأزهر أنكر على تلك الأزهرية العفيفة التي اتخذت من أمهات المؤمنين ومن الصحابيات والتابعيات الصالحات القانتات، قدوة لها وأسوة، فغطت وجهها، وهي غير محرمة (غير محرمة يا شيخ الأزهر)، فأمرها الشيخ الوقور أن تكشف وجهها، وعنفها على فعلها!!.
7 – قال ابن قدامة، وهو أشهر علماء الحنابلة، توفي سنة 620هـ " لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان، إحداهما: يجوز كشفهما. وهو قول مالك والشافعي، لأن ابن عباس قال، في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والكفين.
ولأنه يحرم على المحرمة سترهما بالقفازين، كما يحرم عليها ستر وجهها بالنقاب، فلم يكونا من العورة كالوجه.
ولأن العادة ظهورهما وكشفهما، والحاجة تدعو إلى كشفهما للأخذ والعطاء، كما تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، فلم يحرم كشفهما في الصلاة، كالوجه.
¥