والثانية: هما من العورة، ويجب سترهما في الصلاة. وهذا قول الخرقي، ونحوه قال أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فإنه قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المرأة عورة)). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا عام يقتضي وجوب ستر جميع بدنها، وترك الوجه للحاجة، ففيما عداه يبقى على الدليل.
و قول ابن عباس قد خالفه ابن مسعود، فإنه قال في قوله سبحانه {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال الثياب ... "
إلى أن قال " ويكره أن تنتقب المرأة وهي تصلي، أو تتبرقع. قال ابن عبدالبر: وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام ... " اهـ باختصار.
انظر المغني [2/ 326 – 331].
وقال ابن قدامة في شرح قول الخرقي " والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها ".
قال " وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافاً، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة.
ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافاً.
قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه.
وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ".
فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها، لمرور الرجال قريباً منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها.
روي ذلك عن عثمان وعائشة. وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
رواه أبو داود والأثرم.
ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق، كالعورة.
وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافياً عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها، ثم زال، أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها ... "
إلى أن قال " وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يُعدُّ لستر الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل. كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها "
ثم قال ابن قدامة " ولا بأس أن تطوف المرأة متنقبة، إذا كانت غير محرمة. وطافت عائشة وهي متنقبة. وكره ذلك عطاء، ثم رجع عنه " اهـ من المغني [5/ 154 – 155].
8 – قال ابن رجب الحنبلي في شرح صحيح البخاري، المسمى: فتح الباري، وهو سابق على فتح الباري الذي صنفه ابن حجر العسقلاني، وابن رجب متوفى سنة 795هـ " وقد كنّ قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب، ويُرى من المرأة وجهها وكفاها، وكان ذلك ما ظهر منها من الزينة في قوله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، ثم أمِرت بستر وجهها وكفيها .. "
ونقل ابن رجب بعد ذلك قول ابن المنذر " وأجمعوا أن لها أن تصلي وهي مكشوفة الوجه، واختلفوا فيما عليها أن تغطي في الصلاة، فقالت طائفة: عليها أن تغطي ما سوى وجهها وكفيها، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور.
وقال أحمد: إذا صلت تغطي كل شيء منها، ولا يرى منها شيء، ولا ظفرها.
وقال أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها " اهـ.
انظر فتح الباري لابن رجب الحنبلي [2/ 348].
قال سمير: ما نقلته لك أخي القارئ، إنما هو غيض من فيض، وقطرة من بحر، مما ذكره أئمة السلف والخلف، في كتبهم ومصنفاتهم المشهورة، التي لا تخفى على صغار طلبة العلم، فضلاً عن كبارهم.
وقد رأيت أن ستر المرأة وجهها، في غير الصلاة والإحرام، إما مستحب وإما واجب، ويتعين إذا خشيت الفتنة. وذهب أكثرهم إلى أن المحرمة أيضاً لها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، بدون أن تنتقب.
وابن قدامة حكى هذا القول عن جمع من السلف، وقال " لا نعلم فيه خلافاً ".
¥