ومن أعجب ما قاله شيخ الأزهر، حين سئل عن فضيحته، قوله إن الفتاة تركت 99% من الأقوال، وأخذت ب 1% فقط.
ولست أدري كيف أجريت حساب نسبة الأقوال في المسألة يا شيخ الأزهر؟
هل أحصيت عدد القائلين من الصحابة والتابعين وسائر العلماء الأقدمين والمعاصرين، ثم حصلت على هذه النتيجة، أم هو ظن وتخمين؟
ومنذ متى كانت المذاهب الإسلامية تحسب بالنسب المئوية؟ لعل الشيخ مولع بنتائج الاختبارات المدرسية، أو الانتخابات السياسية، فأراد أن يوهم الناس أنه حاز على تلك النسبة المرتفعة جداً، مقابل نسبة تلك الطالبة الأزهرية، التي كانت متدنية، فلم تتعد الواحد في المية؟!
وقد تبين مما سبق أن النتيجة الحقيقية هي: أن تلك الطالبة الأزهرية حصلت على النسبة الكاملة (100%) حين ارتدت النقاب، فلا يوجد مذهب ولا قول ينهاها عن ذلك، بل كلهم يوافقونها عليه، وجوباً أو استحباباً، أو حتى إباحة.
أما شيخ الأزهر، فإنه للأسف الشديد لم يتحصل على أكثر من صفر، لأنه لا أحد من الفقهاء ممن قوله معتبر، يوافقه على إنكار التنقب والستر، حتى لو فرض أنه عادة، فهو من العادات التي لا تنكر!
شيخ الأزهر ضيق الصدر
المفروض في أهل العلم، خاصة العلماء، ومن يترأس المناصب العلمية الشرعية، التحلي بحسن الخلق، وسعة الصدر، والحلم، والرفق، ولين الجانب.
والنصوص من القرآن والسنة في الحض على تلك الأخلاق الحميدة، أشهر من أن تذكر، ويكفينا من ذلك قول الله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال صلى الله عليه وسلم ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) رواه الترمذي وأبو داود. جامع الأصول [4/ 5].
وقال صلى الله عليه وسلم ((إن الله رفيق يحب الرفق)) رواه مسلم وأبو داود. جامع الأصول [4/ 532].
وشيخ الأزهر قد ضرب بكل تلك النصوص عرض الحائط، وقسا على تلك الأزهرية، مع أنها على حق، ولم ترتكب أي خطأ، بل هو الذي أخطأ في حقها، وفي حق نفسه، وفي حق الأزهر وأخطأ في حق الأمة الإسلامية، حين سنّ لها تلك السنة الرزية.
لو فرض أن الشيخ قد رأى منكراً ظاهراً، فإنه كان يلزمه أن يغيره بالرفق، خاصة إذا كان مرتكب المنكر جاهلاً أو صغيراً في السن.
وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وهم به الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تزرموه)) أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم لما انتهى الأعرابي أمرهم بأن يطهروا المكان من النجاسة، وقال لأصحابه ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسِّرين)) رواه البخاري وغيره. انظر جامع الأصول [4/ 522].
ولما تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة، وأنكر عليه الصحابة بأبصارهم، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ونبهه بكل رفق.
قال معاوية " فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. " الحديث. رواه مسلم [537].
فأين شيخ الأزهر من هذه الأخلاق النبوية؟ أم إن تنقب الفتاة في رأي شيخ الأزهر أعظم جرماً من الكلام في الصلاة ومن بول الأعرابي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لا إنكار في العادات
ثم إن شيخ الأزهر أتى بعجيبة أخرى، حيث قال إن النقاب عادة وليس عبادة، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.
وقد علمت أخي القارئ تهافت هذا القول، بما نقلناه إليك من أقوال العلماء، ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة.
لكننا نتنزل مع فضيلته ونقول له: هب أن النقاب، أو ستر الوجه عن الرجال الأجانب عادة لا عبادة، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، فهل أنت تنكر على من فعل عادة من العادات المباحة في ملبس أو مشرب أو في غير ذلك من شئون الحياة؟
ولماذا لا تنكر على الفتيات السافرات الكاسيات العاريات، وما أكثرهن في مصر وفي غير مصر، أم إن الإنكار لا يجب إلا على الفتيات المنقبات فقط؟
وهل كشف الفتاة شعرها ونحرها وأجزاء أخرى من جسدها، مما هو مشهور في مصر، يمت إلى الإسلام بصلة في رأي شيخ الأزهر، فترك الإنكار عليه، وصوبه إلى النقاب، لأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، لا من قريب ولا من بعيد؟!
¥