تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا سؤال: إذا كان للشيخ ـ رحمه الله ـ أو لغيره من أئمة الإسلام المشهورين بالفتوى جوابان، أحدهما يوافق المعروف من فتاواه، والملائم لأصوله،والآخر ليس كذلك، فما الواجب هنا؟

الواجب ـ بلا تردد ـ أن يُرَدَّ الجواب المحكم الواضح الذي يليق بفقهه وأصوله في الفتوى، وقواعده في هذا الباب إلى ما كان مُشْكِلاً.

والمرجع في فتاوى أي عالمٍ أو إمامٍ، صنفان من الناس: طلابه، أو من قرأوا كتبه وأدمنوا النظر في فتاواه وشروحه، وهذا ما لا يتوفر للصحفي سامحه الله.

وبما أنني قد منّ الله علي بالتتلمذ لشيخنا ابن عثيمين والاتصال به أكثر من 10 سنوات ـ ولله الحمد والفضل ـ فإنني أجزم و لا أتردد أن الأليق بفقه شيخنا ـ رحمه الله ـ وأصوله في الفتوى، وخاصة بعد هذا الانفتاح الإعلامي الواسع (حساً ومعنى)، وبعد هذا الظهور الفاتن لمقدمات نشرات الأخبار في أكثر القنوات، هو القول بالمنع مطلقاً، وأجزم أنه لو رأى ما عليه واقع الفضائيات الآن لم يفتِ قطُّ بجواز ذلك، وفتواه التي ذكرتها آنفاً فيها تعليل لا يمكن نقضه؛ فتأمل قوله: (وذلك أن الإنسان إذا نظر للمرأة سواء كان ذلك بواسطة وسائل الإعلام المرئية، أو بواسطة الصحف أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون من ذلك فتنة على قلب الرجل تجره إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة، وهذا شيء مشاهد).

والسؤال: من هو الذي يضمن لقلبه أن لا يتأثر؟

والعلة ـ كما يقول الفقهاء ـ إذا كانت غير منضبطة أنيطت بالأغلب، وما هو الأعم والأغلب يا معشر الرجال؟ أهو التبلد وعدم التأثر برؤية المرأة أم التأثر؟! الفطرة السليمة تجيب.

وأزيد الأخ الصحفي ومن وافقه ـ هدى الله الجميع للحق ـ أن شيخنا ـ رحمه الله ـ سئل هذا السؤال ـ كما في مجموع فتاواه (12/ 226) ـ: عن مجلات الأزياء وتفصيل الملابس على ما فيها؟ فأجاب بقوله:

(أطلعت على كثير من المجلات التي تشير إلها السائلة فألفيتها مجلات خليعة فظيعة خبيثة، حقيق بنا ونحن في المملكة العربية السعودية، الدولة التي لا نعلم - ولله الحمد - دولة تماثلها في الحفاظ على شرع الله وعلى الأخلاق الفاضلة، حقيق بنا أن لا توجد مثل هذه المجلات في أسواقنا وفي محلات الخياطة، لأن منظرها أفظع من مخبرها، ولا يجوز لأي امرأة أو رجل أن يشتري هذه المجلات أو ينظر إليها أو يراجعها لأنه فتنة، قد يشتريها الإنسان وهو يظن أنه سالم منها، ولكن لا تزال به نفسه والشيطان حتى يقع في فخها وشركها، وحتى يختار مما فيها من أشياء لا تناسب مع البيئة الإسلامية، وأحذر جميع النساء والقائمين عليهن من وجودها في بيوتهم لما فيها من الفتنة العظمية، والخطر على أخلاقنا وديننا، والله المستعان) اهـ.

وكلامه في التحذير من المجلات المليئة بالفسق والخنا مشهور جداً، من أحب أن يراجعه فليراجعه في خطبته المشهورة في ديوان خطبه المعروف بـ (الضياء اللامع من الخطب الجوامع (3/ 469).

فبالله عليكم ـ يا أهل الإنصاف ـ أيهم أليق بأصول شيخنا رحمه الله؟!

وأيهم أشد خطراً؟ صورٌ ثابتة، أم صورٌ حيةٌ تعرض على شاشات عاليةِ الدقة، تحسن القبيح من النساء، وتظهر فيها بكامل زينتها، وتتغير فيها قسمات الوجه من تبسم وربما ضحك، وتكسر في الكلام، ونظرات تثير الغرائز؟!

وكأني ببعض الناس يقول: أنا منذ سنوات أنظر إليها ولم أفتن!!

فأقول: وأي فتنة أعظم من قسوة القلب التي أورثتك هذا الشعور؟!

ورحم الله ابن الجوزي حين قال ـ في كتابه الماتع "صيد الخاطر" ـ: (وربما رأى العاصي سلامة بدنه، وماله فظن أن لا عقوبة، و غفلته عما عوقب به عقوبة ... وربما كان العقاب العاجل معنوياً، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب! كم أعصيك و لا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري! أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟).

وبكل حال .. فالمعوّل عليه النص الشرعي، وما تقتضيه قواعد الشريعة، لا أذواق الناس التي لا ضابط لها، إذ من الناس من يبلغ به الفجور وموت القلب أن يتلذذ بمعصية الله، والعياذ بالله!

وختاماً .. لا أدري ـ بعد هذا ـ ماذا يراد من نشر مثل هذه الفتوى؟!

أيراد حشد مزيد من الناس ـ الذين ما زال فيهم بقية ورع ودين ـ حول الشاشات التي تظهر فيها الحسناوات بحجة أنها ليست كالصور الحقيقية؟!

إنني أُفَرّقُ ـ بحمد الله ـ بين حالٍ ملحّة أو ضرورة تستوجب النظر إلى الصورة، أو متابعة خبرٍ ما، له أهمية بالغة بالنسبة للشخص المتابع، وبين أن تنشر مثل هذه الفتوى التي لها ما يخالفها من كلام الشيخ ابن عثيمين نفسه ـ دعك من غيره من العلماء ـ وكأنه يقال للناس تعالوا،وهلموا فإن النظر إلى صور مقدمات نشرات الأخبار فيه قولان! وتصوير العلماء الذين يحرمون ذلك ـ وهم الأكثرية ـ ومعهم الأصل القرآني المحكم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى} وكأنهم متشددون أو مخطئون أو لا يعلمون مقاصد الشرع!!

وصدق الله إذ يقول: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}، وقد قال الله تعالى في الآية التي قبلها: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}، فليُعِد كل واحدٍ منا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فلن يقبل جواب لا يوافق دين المرسلين: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}.

وكتبه/

د. عمر بن عبدالله المقبل

جامعة القصيم

16/ 2/1431هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير