تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قد يقول قائل هذا الحديث لابن قدامة لا عليه، لأنه إن كان ظاهرا في النقض على الجمهور ـ باختلاف قولهم في المسافة سواء كان الثلاثة أو الحنفية ـ إلا أنه ليس نصا في التحديد أيضا، بل قد يفهم منه مجرد المشروعية في القصر لتلك المسافة، أما ما دونها فمفهوم لا منطوق، والكلام في المفاهيم واعتبارها أوسع من المنطوقات لا شك.

ثم إن في الحديث شكا من شعبة في التحديد (ثلاثة أميال أو فراسخ) والشك هنا مؤثر، لأنه ليس يسيرا،حتى على القول بأن الفرسخ ثلاثة أميال، فالمسافة إذن إما ثلاثة أميال أو تسعة، ولا يجب على الفقيه الأخذ بالأكثر احتياطا، بل قد يحتاط عن الحديث كله لذلك الشك.

أما قولك إن الاحتمال يجب أن يكون بوجود حديث آخر أصرح، فإنهم يقولون هذا الحديث من حديث أنس، في حجة النبي، وهو مفسر بحديث آخر لأنس أيضا، وأنه محمول على ابتداء السفر، لذا قال النووي في شرحه (هذا ليس [على] سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة , لأن الظاهر في أسفاره - عليه السلام - أنه ما كان يسافر سفرا طويلاً، فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يُسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر ونحو ذلك، فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدان على جواز القصر من حين يخرج من البلد، فإنه حينئذ يسمى مسافرا)

ففهموا من الحديث أنه قصر (في السفر) لا بعد الوصول إلى المنتهى.

والحديث الآخر الذي يفهمون منه هذا، حديث أنس أيضا، (صليتُ مع رسولِ الله "عليه السلام- الظُّهرَ بالمدينةِ أربعا والعَصرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكعتينِ)

قال العيني في شرحه على أبي داود:

(قوله: " بذي الحليفة " ذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينهما ستة أميال، ويقال: سبعة، وهذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، ولا حجة لهم في ذلك , لأن المراد به حين سافر- عليه السلام- إلى مكة في حجة العدل صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة، فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة غاية سفره، فلا دلالة فيه قطعاً وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يُفارق بنيان بلده أو خيام قومه، إن كان من أهل الخيام، هذا مذهب العلماء كافةً إلا رواية ضعيفة عن مالك، أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السافر قصر قبل خروجه)

يعني ليس في الحديث أن غاية سفر النبي كانت لذي الحليفة، وهذا صحيح.

والذي يقوي هذا الفهم أنه لم يعمل بهذا الحديث أحد، قال الخطابي في شرحه (إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حداً فيما يقصر إليه الصلاة إلا أني لا أعْرف أحداً من الفقهاء يقولُ به)

وبالبحث السريع لم أجد، لكن ربما بمزيد من البحث يوجد، لكن على كل حال إعراض العلماء عن العمل بظاهره يدل على عدم القطعية في معناه.

والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير