[إضاءات في تاريخ المغرب الأقصى (1):البيعة المشروطة ومقتل الشريف محمد بن عبد الكبير الكتاني]
ـ[أبو عائشة المغربي]ــــــــ[04 - 08 - 10, 07:01 ص]ـ
من الحوادث المأساوية في تاريخ المغرب الحديث، مقتل الشريف محمد بن عبد الكبير الكتاني مؤسس الطريقة الكتانية، على يد السلطان عبد الحفيظ، مطلع القرن الميلادي العشرين، وتعود ملابسات القضية فيما يظهر لما قبل تولي السلطان عبد الحفيظ للحكم، أي لعهد أخيه عبد العزيز، الذي وافق على شروط الجزيرة الخضراء،التي شرعت للدول االاستعمارية الكبرى احتلال بلاد المغرب الأقصى، وتدويل اقتصادها، كما أنه تخاذل عن تحرير الثغور المحتلة، ونشر الفساد في الأرض، ووالى المحتلين، وأدخل قوانينهم، وكان فاسقا لعوبا ليس له من الأمر شيء، فلذلك قام العلماء ومعهم جموع الناس عليه، فخلعوه عن عرشه، وبايعوا لأخيه عبد الحفيظ، وكان على رأس الخالعين له والمبايعين لأخيه الشيخ المجاهد ماء العينين بمراكش، لكن هذه البيعة لم تكن لتتم إلا بعقد أهل فاس وعلمائها، فلهذا اتجه عبد الحفيظ إلى فاس، وحث الشريف الكتاني علماء فاس و أهلها على بيعته، لكن اتفق هو ومن معه من العلماء على أن تكون البيعة بيعة مشروطة، أي أن الإذعان والسمع والطاعة مرتبطان بوفاء السلطان بهذه الشروط وإلا لا سمع ولا طاعة، وقد سميت هذه البيعة بالبيعة المشروطة، وهذه الشروط هي:
أولا: أن يعمل جهده في استرجاع الجهات المقتطعة من الحدود المغربية
ثانيا: أن يبادر بطرد الجنس المحتل من الأماكن التي احتلها
ثالثا: أن يسعى جهده في إلغاء معاهدة الجزيرة لأنه لم يرجع فيها إلى الشعب.
رابعا: أن يعمل على إلغاء الامتيازات الأجنبية
خامسا: ألا يستبشر الأجانب في شؤون الأمة
سادسا: ألا يبرم مع الأجانب عقودا سلمية أو تجارية إلا بعد استشارة الأمة.
وهذه جركة فريدة نادرة في التاريخ السياسي المغربي، إن لم يكن في التاريخ الإسلامي، تظهر ما كان للعلماء من جلالة وهيبة وسلطان، وما كانوا عليه من جرأة وقوة وجمع لزمام الأمور، لكن للأسف الشديد، ما استولى السلطان عبد الحفيظ على الحكم، حتى نقض شروط البيعة، ولم يوف بلوازمها، خاصة إدخال الأجانب إلى فاس، والقبول بشروط الجزيرة الخضراء، فما كان من الشيخ محمد بن عبد الكبير إلا أن أعلن معارضته للسلطان، ودعا لقتال المحتل، وتحكيم الشربعة، وألب القبائل التابعة لسلطان الزاوية عليه، وهكذا خرج إلى قبائل بني مطير، وحرضهم على الحرب، فاجتمع له حوالي 500 من الناس، ثم قصد بني مكيلد، لكن السلطان عرف بذلك، فجمع له 2000 من المقاتلين، ولحقوا به حتى أسروه، فاقتادوه ومعه أهله إلى السجن.
ولعل هذه الرواية هي الرواية الصحيحة للأحداث، خلافا لمن يرى أن الشيخ خرج للبادية معتزلا مع أتباع الزاوية، وأن المحتلين حرضوا السلطان عليه، فتبعه إلى البادية واعتقله.
وهكذا اقتيد الشيخ إلى سجن أبي الخصيصات بفاس، وجكم عليه بالجلد 200 جلدة، ولم يجلد إلا 500 جلدة حتى سقط صريعا عام 1327 ه، ودفن حيث لا يعلم أحد إلى الآن، عن عمر لا يتجاوزالسابعة والثلاثين، ثم أطلق سراح والده الشيخ عبد الكبير، وأخيه الأصغر الشيخ عبد الحي، والذي سيصبح فيما بعد أحد حفاظ المغرب الكبار، والذي سينقلب موقفه من المحتل إلى النقيض تماما بسبب هذه الحادثة.
أما عبد الحفيظ فلم يلبث إلا قليلا بعد ذلك حتى سلم المغرب لفرنسا، ووقع معاهدة الحماية المزعومة، ليرغمه أسياده بعدها على ترك الحكم، ونفوه إلى فرنسا حيث مات هناك غريبا بعيدا، عامله الله تعالى بما يستحق.