[الثبات والتثبت في أمور الدين]
ـ[عبدالله العلاف]ــــــــ[05 - 08 - 10, 02:27 ص]ـ
[الثبات والتثبت في أمور الدين]
سعد بن عبدالله السعدان
[email protected]
رئيس تحرير مجلة الجندي المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الثبات والتثبت أمران مهمان في حياة كل مسلم ومسلمة، ويحتاجهما على الأخص طلاب العلم وحملة الشريعة، لكثرة الفتن والشُّبَه والدعوات المغرضة، والمغريات الدنيوية، والثبات هو: الصبر والاستقامة على الحق، والتثبت هو: التوثق والتأني في النقل والحكم والكلام، وعدم الخوض في أمر إلا ببينة واضحة ساطعة، وقدكان أكثر دعاء الرسول × كما قال أَنسٍ: «كان رَسولُ الله يُكْثِرُ أنْ يقولَ: «يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي على دِيِنكَ»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعْم، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شاَءَ» (1)
القلوب هي محل التقلب وعدم الثبات لكثرة ما يعرض لها، ولذا كانت العناية بها من أهم الأمور وأصعبها وأشقها، نسأل الله الثبات على دينه، والثبات على الحق والمنهج السليم، وعدم التذبذب والتنقل هنا وهناك، هو من صفات أهل السنة من سلف هذه الأمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول، وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه، وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل عدم اليقين، فإن الإيمان كما قال فيه قيصر لما سأل أبا سفيان عمن أسلم مع النبي ×: «هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له، بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب، لا يسخطه أحد»، ولهذا قال بعض السلف ـ عمر بن عبد العزيز أو غيره ـ: «من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل».
وأما أهل السنّة والحديث فما يُعلم أحد من علمائهم، ولا صالح عامتهم رجعٌ قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبراً على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين، كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وغيرهم من الأئمة، حتى كان مالك رحمه الله يقول: «لا تغبطوا أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء». يقول: إن الله لا بد أن يبتلي المؤمن، فإن صبر رفع درجته، كما قال تعالى: [آلم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت:1ـ3} {العنكبوت:2}، وقال تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ] {السجدة:24}
وقال تعالى: [وَالعَصْرِ*إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] {العصر:1ـ3}
ومن صبر من أهل الأهواء على قوله، فذاك لما فيه من الحق، إذ لا بد في كل بدعة ـ عليها طائفة كبيرة ـ من الحق الذي جاء به الرسول ×، ويوافق عليه أهل السنّة والحديث: ما يوجب قبولها، إذ الباطل المحض لا يقبل بحال.
وبالجملة: فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنّة أضعاف أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة». (2)
وأما التثبت فهو دليل على ثبات المرء ورسوخه وعقله وبصيرته وعلمه وحكمته، والتثبت يكون في القول على الله تبارك وتعالى بما لم يعلمه الشخص: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {الأعراف:33}
والتثبت يكون في القول على رسوله ×، ونسبة شيئ له أو ضده، كل ذلك من عدم التثبت وهو من الكذب، وقد قال ×: «إنّ كذِباً عليَّ ليسَ ككذِبٍ على أحد، من كذبَ عليَّ متعمداً فليَتبوَّأْ مَقعدَهُ منَ النارِ .. ». (3) فالذي يقول بأن رسول الله أباح كذا وهو على غير صواب فهذا كذب، صاحبه سيتبوأ مقعداً في النار، نسأل الله السلامة.
¥