تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التأني في العبادة]

ـ[لطف الله خوجه]ــــــــ[24 - 07 - 10, 03:22 م]ـ

أعظم ما خلق الإنسان لأجله، هو عبادة الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. ثم عمارة الأرض، لكن عليه أن يبتغ فيما آتاه الله الدار الآخرة، ولا ينس نصيبه من الدنيا؛ أي يجعل همه الآخرة، والدنيا وعمارتها تابع وخادم ووسيلة للعبادة.

وأداء العبادة إنما يكون بالتأني، وقد أمر الله تعالى به، فقال: {وقوموا لله قانتين}.

أي خاشعين؛ لأن القنوت هو الخشوع، وهو لا يتأتى إلا بالتأني، وقد مدح المؤمنون به: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون}. ومعنى التأني: استكانة وذلة الجوارح والقلب حين العبادة. وهي أحوال شريفة لا تحصل مع العجلة.

وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، الأمر بالسكينة عند الصلاة:

(إذا سمعتم النداء فامشوا، وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [البخاري/الصلاة/لا يسعى إلى الصلاة إلا بالسكينة والوقار 610]

وقال: (إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني، وعليكم بالسكينة). [البخاري/الصلاة/لا يسعى إلى الصلاة مستعجلا، وليقم بالسكينة والوقار 612]

فهذه ثلاثة اصطلاحات شرعية، هي: القنوت، والخشوع، والسكينة. كلها دالة على وجوب وحسن التأني والتمهل، في أداء العبادة، وذم الاستعجال والنهي عنه.

وقد عد العلماء "الطمأنينة" في أداء الصلاة من أركانها، فأبطلوا صلاة غير المطمئن، وهو الذي ينقص من صلاته، فلا يتم ركوعها حتى يستوي راكعا، ولا سجودها حتى يستوي ساجدا، ولا جلوسه حتى يستوي جالسا، إنما ينقرها كنقر الغراب.

وقد استفادوا ذلك، من حديث المسيء صلاته، حيث رآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ولا يتم، فناداه وعلمه، وقال له: (ارجع فصل، فإنك لم تصل). فالطمأنينة مصطلح شرعي رابع، دال على وجوب التأني في أداء العبادة.

ومن تمام التأني، التقدم بين يدي الصلاة بحضور مبكر قبل الإقامة، استعدادا لها، وهذا جاء في وصايا نبوية كثيرة، مثل قوله: (إذا سمعتم النداء فامشوا). أي بادروا مع الأذان.

ورغب في انتظار الصلاة، والصبر وعدم الملل وضيق الصدر، لدقائق معدودة، يمكث المرء أكثر منها في لهو ولعب، وأشياء لا معنى لها، فقال:

(إن أحدكم في صلاة، ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم من مصلاه أو يحدث). [البخاري]

فالمنتظر له أجر المصلي، وهو ثواب عظيم، عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القاعد على الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين، من حين يخرج من بيته، حتى يرجع إليه). [ابن حبان في صحيحه، صحيح الترغيب 1/ 183]

إن التبكير وانتظار الصلاة، سبب في الخشوع والطمأنينة؛ إذ بهما يحصل التهيؤ للصلاة، عكس التأخير والاستعجال، والصلاة أعظم الأركان بعد الشهادة، وهي لا تسقط أبدا، إلا في حال الجنون وعدم التكليف، وتلازم المسلم خمس مرات في اليوم، فهي عمود الإسلام، وأول ما يسأل عنه، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بها في فراش موته: (الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم).

وقد بشر المحافظ عليها في أوقاتها مع الخشوع بالمغفرة، فقال: (خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن، وسجودهن، وخشوعهن، كان له على الله تعالى عهدا أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه). [صحيح أبي داود].

ثم إنه أخبر أن أول ما يرفع من الدين: الخشوع في الصلاة. أي يصيب الناس العجلة، ويملوا التأني والطمأنينة والسكينة، وأخبر عن نقصان ثوابهم من الصلاة فقال: (إن العبد ليصلي الصلاة، ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها). [أبو داود]

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ صلاة الفجر بطوال المفصل؛ فيقرأ بالواقعة، والطور، والصافات، وأحيانا يقرأ بـ ق~ في الأولى، وربما قرأ بقصار المفصل، كسورة إذا الشمس كورت. وفي فجر الجمعة بالسجدة والإنسان.

وفي الظهر يطيل، حتى يذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي منزلته ويتوضأ، ثم يأتي الصلاة في الركعة الأولى، وربما خفف فصلى بقصار المفصل، كالطارق والبروج والليل. وفي العصر دون الظهر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير