[آراء باحثي الغرب في التحريف الذي حدث بالنصرانية]
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[15 - 07 - 10, 11:31 م]ـ
سؤال: أيمكن أن يتحول دين سماوي خالص إلى مزيج مُركب من خرافات ووثنيات متضاربة؟
وسؤال أعجب منه: كيف احتفظت المسيحية باسمها ونسبتها إلى المسيح وهي على هذه الحال؟
إن الكثير من مؤرخي الفكر الغربي قد تخلصوا من الإجابة على مثل هذه التساؤلات بتقسيمهم الدين النصراني قسمين متباينين لا رابط بينهما سوى النسبة للمسيح:
1. المسيحية الأصلية، أو "مسيحية يسوع ".
2. المسيحية الرسمية، أو "مسيحية بولس". ويعنون بها العقيدة التي نشرتها الكنيسة ابتداء من سنة (325م) بمجلس نيقية.
ومجلس نيقية هو المجلس الذي عقده الامبراطور الروماني قنسطنطين وحضره ألفان وثمانية وأربعون من البطاركة والأساقفة يمثلون مذاهب متنافرة ومتناحرة وتم فيه إقرار النصرانية الوثنية المحرفة كديانة رسمية للامبراطورية الرومانية.
يقول جرين برنتن - كتاب أفكار ورجال (قصة الفكر الغربي) ص207 - : " إن المسيحية الظافرة في مجلس نيقية – العقيدة الرسمية – في أعظم إمبراطورية في العالم مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل،ولو أن المرء اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية لخرج من ذلك قطعاً لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الأولى فحسب، بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتاً ".
أما المؤرخ الإنجليزي هـ. ج. ويلز - كتاب معالم تاريخ الإنسانية ص720،693. وبعض الكُتاب أنكر وجود المسيح كلية، انظر كتاب محاضرات في النصرانية ص42، ولكن هذا مما لا يلتفت إليه - فيقول: "من الضروري أن نستلفت نظر القارئ إلى الفروق العميقة بين مسيحية نيقيا التامة التطور وبين تعاليم يسوع الناصري… فمن الواضح تماماً أن تعاليم يسوع الناصري تعاليم نبوية من الطراز الجديد الذي ابتدأ بظهور الأنبياء العبرانيين، وهي لم تكن كهنوتية ولم يكن لها معبد مقدس حسباً عليها ولا هيكل،ولم يكن لديها شعائر ولا طقوس، وكان قربانها "قلباً كسيراً خاشعاً "،وكانت الهيئة الوحيدة فيها هيئة من الوعاظ، وكان رأس ما لديها من عمل هو الموعظة.بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين، وإن احتفظت بتعاليم يسوع في الأناجيل – كنواة لها – كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طراز مألوف للناس من قبل منذ آلاف السنين، وكان المذبح مركز طقوسها المنمقة،والعمل الجوهري في العبادة فيها هو القربان الذي يقر به قديس متكرس للقداس، ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة، ولئن اتشحت المسيحية بأردية خارجية تشابه نحل سيراييس أو آمون أو بعل مردك مشابهة غير عادية فلا بد لنا أن نذكر أنه حتى كهانتها نفسها كانت مظاهر جديرة بأعيانها، ولقد بلغ من جرأة الكتاب المتشككين أن أنكروا إمكان أن يسمى يسوع مسيحياً على الإطلاق ".
وإذا كان هذا هو رأي العلماء الباحثين فإن من المفيد أن نعرف رأي رجال الكنيسة في هذا الأمر، وحسبنا أن نقرأ ما كتبه الدكتور "وليام تامبل " أسقف كنيسة كنتربري وحبر من أحبار إنجلترا، حيث يقول: "إن من الخطأ الفاحش أن نظن أن الله وحده هو الذي يقدم الديانة أو القسط الأكبر منها " - من كتاب الجفوة المفتعلة بين العلم والدين لمحمد علي يوسف ص11 - وليس هذا الكلام فلتة من الحَبر الكبير، أو سهواً غير مقصود، وإنما هو تعبير صريح صادق عن عقيدة الكنيسة وواقع تاريخها.
وعلى ضوء هذه الآراء نستطيع أن نعرف ما إذا كانت أوربا قد اعتنقت النصرانية الحقة الموحاة من الله، أو اعتنقت المُركب الذي صنعه أجداد الدكتور تامبل من آباء الكنيسة الأولين، واستخرجوه من العقائد السائدة في عصرهم آنذاك.
كتبه: د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي،
مِن كتاب "العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة" - رسالة ماجيستير
http://www.alhawali.com (http://www.alhawali.com/)