[كيف يجمع بين نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد]
ـ[عبد الله بن ادم الدلسي]ــــــــ[29 - 07 - 10, 11:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يجمع بين نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وصلاته على قبر المرأة السوداء
من كلام العلامة الفقيه الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي –حفظه الله-
الأفنان الندية من كتاب الجنائز (2/ 290 - 291 - 292)
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى أما بعد:
يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته:
وجاز إن في مسجد قد فعلت كما له صديقة قد نقلت
قال الشارح الشيخ زيد بن هادي المدخلي: أي وتجوز الصلاة على الجنازة في المسجد لما روته الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه وأخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد. فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: هذه بدعة, ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلا في جوف المسجد. رواه مسلم وأصحاب السنن, وقد صلي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في المسجد [قال في الحاشية: أخرجه عبد الرزاق ومالك وإسناده صحيح] , والصحابة متوافرون فلم ينكر أحد ذلك, غير أن الأفضل أن تكون الصلاة خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز خارج المقابر كما كان الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الغالب في هديه فيها, قال ابن القيم رحمه الله: لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر, وربما كان يصلي أحيانا على الميت في المسجد كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد ... إلى أن قال: وكلا الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد للأحاديث التالية:
1 - ما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد.
2 - ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا.
فإن هذين النصين الصحيحين يدلان على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب هو صلاته على الجنائز خارج المسجد لذلك كان هو الأفضل, مع جوازه في المسجد ولو بدون عذر, أما الصلاة بين المقابر فإنها لا تجوز لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي على الجنائز بين القبور. [قال في الحاشية: ذكره الهيثمي في المجمع وقال: إسناده حسن].
يقول الشيخ حافظ الحكمي في منظومته:
وصحت الصلاة مطلقا على قبر وغائب كما قد نقلا
قال الشارح الشيخ زيد بن هادي المدخلي: أي أن الصلاة على قبر الميت جائزة مطلقا ولو كان قد صلى عليه جماعة, وسواء كان المصلي من أولياء الميت أم لم يكن كذلك, لما روى النسائي وابن ماجة وابن حبان من حديث يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا فلانة مولاة بني فلان قال فعرفها وقال ألا آذنتموني بها قالوا ماتت ظهرا وكنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك قال فلا تفعلوا لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعا.
فالحديث دليل قائم على جواز الصلاة على القبر بدون كراهة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم له وهو أسوة أمته وقدوتها ولا وجه للقول بالخصوصية إذ لا دليل عليها, ثم إنه لا تعارض بين هذا الحديث وما في معناه وبين حديث أنس السابق في النهي عن الصلاة على الجنازة بين القبور, فإن حديث أنس يحمل على وضع الجنازة وسط المقبرة للصلاة عليها فلا شك في كراهيته, وحديث يزيد وما في معناه من الأحاديث يحمل على الصلاة على الميت بعد دفنه في المقبرة ولا شك في جوازه فيحصل الجمع بذلك وينتفي ما ظاهره التعارض, قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا ما فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتا. اهـ
قلت: فشرط جواز الصلاة على الميت في المقبرة ان يكون الميت مقبورا وأن تكون الصلاة قضاء وهذا الذي استظهره شيخنا سمير محمد ناصر مرابيع الجزائري في التذكرة على إتحاف البرر فجزاه الله خيرا ونفع به.
كتبها ابو عبد الهادي عثمان بن بوعلام الجزائري