تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذُنُوبِهِمْ) , اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق , أي بفعل ما يرضي الفريقين ويوفق بينهما , كما يفعله من يروم التوفيق بينما جاء به الرسول وبينما خالفه , ويزعم أنه بذلك محسن قاصد الإصلاح والتوفيق , والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول وبين كل ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسية ورأي , فمحص الإيمان في هذا الحرب لا في التوفيق وبالله التوفيق , ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم من الدقيق والجليل , ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه , ولم يكتف منهم أيضا بذلك حتى يسلموا تسليما وينقادوا إنقيادا , وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) , فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله , ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا , وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) , أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر , ولا تفتوا حتى يفتي , ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه , روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (يعني في معنى الآية): لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة , إلى أن قال رحمه الله (أعني ابن القيم) والقول الجامع في معنى الآية لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل , وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) , فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم , فكيف بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه , أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟ , وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) , يقول ابن القيم: فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب إلا بعد استئذانه وإذنه معروف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه. انتهى كلامه رحمه الله.

· فهذا هو الحكيم لأن الحكمة كما عرفنا هي العلم الصحيح مع الحكم الصحيح , فهي الصواب في القول والصواب في الرأي والصواب في العمل , فمن كان مصيبا في حكمه وفي علمه وفي كلامه فهو الحكيم.

· يقول العلامة المفسر الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله: وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله , والحرام هو ما حرمه الله ,والدين هو ما شرعه الله , فكل تشريع من غيره باطل , والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه ...

إلى أن قال رحمه الله في صفة من يستحق أن يكون مشرعا يقول: اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة صفات من يستحق أن يحكون الحكم له , فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن إن شاء الله , ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية , فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع , سبحان الله وتعالى عن ذلك , فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون ليتبع تشريعهم , يقول: وإن ظهر يقينا أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك فليقف بهم عند حدهم , ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية , سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته أو حكمه أو ملكه , فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) ثم قال مبينا صفات من له الحكم: (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير