تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110)؛ فالعمل الصالح هو الموافق للسنة، والشرك نقيضه الإخلاص.

وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (النساء:125). فإسلام الوجه هو الإخلاص، والإحسان هو متابعة سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وكان عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئا.

الثاني: متابعة سنة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو شرط الظاهر.

قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عليهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ. (متفق عليه: رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة، وله ألفاظ.)

فهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، فكل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (لَيْسَ عليهِ أَمْرُنَا) إشارة إلى أن أعمال العاملين كلها ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة؛ فتكون أحكام الشريعة حاكمة علىها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جارياً تحت أحكام الشريعة، موافقاً لها، فهو مقبول. ومن كان خارجاً عن ذلك، فهو مردود، وقد أوجب الله علينا طاعة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر:7).

قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: إن صاحبنا الليث بن سعد كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء؛ فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.

فقال الشافعي: قصر الليث - رحمه الله -، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء؛ فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب. (شرح العقيدة الطحاوية (1/ 502).)

وقال الإمام العلم الفضيل بن عياض - نور الله ضريحه - في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عملا} (هود: 7، الملك:2) قال: أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة. (حلية الأولياء (8/ 95).)

(ب) متفق عليه: رواه البخاري (52)،ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير.

قال الإمام مسلم - رحمه الله -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ-:

إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.

أجمع أهل العلم على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وسبب عظم موقعه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي أن يكون حلالا، وأرشد إلى معرفة الحلال، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإن ذلك سبب لحماية دينه وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى، ثم بين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهم الأمور وهو مراعاة القلب.

(أهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه) أي: مدهما إليهما ليأخذهما إشارة إلى استيقانه بالسمع. (الحلال بين، والحرام بين) معناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله، وحرام بين واضح لا يخفى حرمته، ومشتبهات موجودة بين الحل والحرمة، ولم يظهر أمرها على التعيين، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يدركون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع؛ اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا الحقه به صار حلالا أو حراما، وقد يكون دليله غير خال من الإحتمال، فيكون الورع تركه، ويكون داخلا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي: حصل له البراءة لدينه من النقص والذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه، و (العرض) هو موضع الذم والمدح من الإنسان. (ألا وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه) معناه: أن ملوك العرب وغيرهم يكون لكل مَلِك منهم حمى يحميه عن الناس، ويمنعهم دخوله، فمن دخله أوقع به العقوبة، ولله أيضا حمى وهي محارمه، أي: المعاصي التي حرمها الله فمن دخل محارم الله بارتكابه شيئا من المعاصي استحق العقوبة، ومن قاربه يوشك أن يقع فيه، فمن احتاط لنفسه لم يقاربه، ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات. (مضغة) المضغة: القطعة من اللحم، سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير