تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله الحصين]ــــــــ[18 - 05 - 07, 07:06 ص]ـ

خامسًا: مظاهر الرحمة. 1 - الدعوة إلى الحق. من أظهر مظاهر الرحمة بالمخالف أن تدعوه إلى الحق، الذي به سعادته وفوزه وفلاحه، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبدأ بالقتال أن يدعوهم إلى الله، ويبين لهم الحق الذي يجب عليهم اتباعه، ولهذا لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينذر الناس قام على الصفا، وصاح بهم، فلما اجتمعوا له، قال: ((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فدعوة المخالف يراد بها إيصال الخير له، ودفع أسباب العذاب والأذى عنه، لعله يفوز برضوان الله، وينجو من عذابه، وهذه هي الرحمة الحقيقية، ولهذا كان أرحم الناس بالابن أمه وأبوه، ومن تمام رحمتهم وشفقتهم أنهم يعلمونه الأخلاق الحسنة، ويرشدونه إلى ما يعينه على التكسب وطلب الرزق، وإن صاحب ذلك شيء من الأذى والشدة، أو حرمانه من بعض ما يشتهي ويريد.

التلطف في الدعوة، وسلوك أحسن الطرق وأقربها؛ لأن المقصود هداية الخلق لا تبكيتهم وتسفيههم، وإظهار نقصهم وجهلهم، قال تعالى: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فالمريد للحق المقبل عليه يدعى بالحكمة، والغافل المعرض يدعى بالموعظة، والجاهل المعاند يدعى بالمجادلة، ومن رحمة الله بخلقه تقييده المجادلة بالحسنى؛ لبيان المقصود منها، وهي: هداية الخلق، وإرشادهم إلى طريق الحق والنور، ليسلموا من عذاب الله وعقابه، وقال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم} والنصيحة والدعوة تختلف عن التأنيب، فالمؤنب قصده التعيير والإهانة، وذم من أنبه وشتمه، وإنما تصدر عن عداوة ومباغضة، وأما الناصح فإنه لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، ويقول: قد وقع أجري على الله قبلت أو لم تقبل، ويدعو لك بظهر الغيب، ولا يذيع عيوبك، ولا يبثها في الناس، والمؤنب على خلاف ذلك، قال الحسين بن علي الكرابيسي: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي فقالت: يا أبا عبد الله أرى ابني يهابك ويحبك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه؛ فقد عاداه الناس عليه، ويتكلم في شيء يواليه الناس عليه ويحبونه، فقال لها الشافعي: أفعل، فشهدتُ الشافعي وقد دخل عليه بشر، فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه؟ أكتاب ناطق، أم فرض مفترض، أم سنة قائمة، أم وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث، إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال له الشافعي: أقررت على نفسك بالخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار يواليك الناس عليه، وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه، فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1))، وقد أمر الله بالمجادلة بالحسنى حين يكون المخالف متحليًا بالعدل والإنصاف، فإن ظلم وبغى، وتجاوز الحد، وأعرض عن الحق مع ظهوره، وأسرف في مخالفته، وأمعن في طغيانه، فإن من الحكمة مقابلته بمثل ذلك، وإغلاظ القول له، ومعاملته بالشدة، كما قال تعالى: {يا 1 - أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وإنما أمر بالإغلاظ لما فيه من المصلحة، وكما قيل: فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقس أحيانًا على من يرحم.

2 - الصبر على الأذى في دعوته، فإنه لا بد أن يقع من المخالف جفاء وغلظة، أو تكلم بما لا يليق، أو فعل ما لا ينبغي، فيصبر المؤمن على ذلك، ويؤمل بصبره أن ينقذ المدعو من النار، وأن يفوز برضى الله.

3 - إقامة حكم الله فيهم، سواء كان هذا الحكم حدًا من الحدود بالنسبة للعصاة من المؤمنين، أو كان بالجهاد باليد بالنسبة للكافر، أو البغاة، وهذا لا ينافي الرحمة؛ بل هو مقتضاها؛ لأن ترك إقامة حكم الله فيه سبب للفساد، وحلول البلاء، وانتشار الفتن، وضعف الحق، وافتتان الناس به، فمن الرحمة العامة معاقبته، وإقامة حكم الله فيه، ولهذا قال تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} أي لا تمنعكم الرأفة بالزانيين من إقامة الحد؛ لأن الرحمة الحقيقية هي بإقامة الحد عليه، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على المخزومية، وحلف لو أن فاطمة سرقت –وحاشها من ذلك- لقطع يدها، وهو أرحم الخلق بالخلق، وبقرابته على وجه الخصوص، فهذه العقوبات يراها الناس خالية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير