من الرحمة، وهي أحد مظاهر الرحمة، ولهذا ابتلى الله من يحب من عباده بأمور عظيمة؛ لكي يحصل لهم بالصبر عليها فوز عظيم في الدنيا والآخر، وقد قيل: سبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه.
4 - ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان يجر إلى ما هو أعظم منه، فإن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إظهار الخير، وقمع الشر، وحمل الناس على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجران إلى مفسدة عظيمة فإن المؤمن يترك بيان ذلك، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتال الأئمة الظلمة، حتى يرو كفرًا بواحًا؛ لما فيه سفك الدماء، وحلول المصائب التي هي أعظم من ظلمهم، ولكن لا يعني ذلك عدم البيان، والسكوت عن المنكر، بل المقصود بيان أن المؤمن يحرص على رحمة الخلق وعدم انتقالهم إلى فساد أعظم مما هم فيه، روى الإمام أحمد في مسنده عن نصر بن عاصم عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه ذلك.
5 - عدم مقابلة الباطل بمثله، بل مقابلة الباطل بالحق، وبما يستحقه من العدل والرحمة، ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان المخالف يكفرهم، قال تعالى: {أدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}، و قال ابن عباس: ما رأيت رجلا أوليته معروفا إلا أضاء ما بينه وبيني, ولا رأيت رجلا فرط إليه مني شيء إلا أظلم ما بيني وبينه. وكذلك كان تعامل أهل السنة مع الرافضة، ومع غيرهم من الجهمية والمعتزلة.
6 - الأمانة في نقل كلامه عند مناظرته ومحاجته.
7 - طلب العذر له، إذا كان ذلك ممكنًا، يقول ابن تيمية بعد أن نقل كلامًا للبكري –وهو ممن اعتدى عليه وظلمه، وألف في الرد على ابن تيمية وتسفيه قوله-: ©وهذا الكلام كذب باطل، لم يسبقه إليه أحد، ولا ريب أنه لجهله وهواه وقع في هذا، وإلا فما تعمد أن يقول ما يعلم أنه كذب®.
8 - إيصال الحقوق الواجبة المستحبة إليه، فالمؤمن وإن عصى، ووقع منه ابتداع، فله حق الإيمان في الجملة، ولهذا قال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} أي إذا عصوك في أمر من الأمور فلا تتبرأ منهم، ولا تترك معاملتهم بخفض الجناح ولين الجانب، بل تبرأ من عملهم، فعظهم عليه، وانصحهم، وابذل قدرتك في ردهم عنه وتوبتهم منه، وهذا الدفع احتراز وهم من يتوهم أن قوله: {واخفض جناحك للمؤمنين} يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم ما داموا مؤمنين، فدفع هذا التوهم، وقد يكون المذنب في قلبه من محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يجعله محبوبًا عند الله، وإن وقع منه ما وقع، روى البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أن رجلا كان اسمه عبد الله, وكان يلقب حمارًا, وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به فجلده، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)). وروى البخاري عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده, ومنا من يضربه بثوبه, ومنا من يضربه بنعله, فلما انصرف قال رجل من القوم: ما له أخزاه الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم)) , وفي لفظ له: قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: ((لا تقولوا هكذا, ولا تعينوا عليه الشيطان)). وعن أبي قلابة، أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبا، فكانوا يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب! ألم تكونوا مستخرجيه؟! قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. وإن كان كافرًا، فله حقوق أيضًا، من حسن الجوار، وحسن المعاملة، وعدم الظلم، والعدل، وغير ذلك.
9 - التفريق بين المظهر للعداوة الساعي فيها، المعلن بها، وبين المعرض عن ذلك، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والعجائز والمعتكفين في معابدهم.
([1]) تاريخ بغداد (7/ 59).
ـ[عبدالله الحصين]ــــــــ[18 - 05 - 07, 07:07 ص]ـ
¥