تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أيضاً: "وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى .. وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق بجهل ولا بهوىً .. ، ومن مال مع صاحبه سواءً كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع الحقيِّ على المبطل فيكون المعظم عنده من عظمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بحسب ما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بحسب الأهواء فإنه من يطع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشد ومن يعص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يذل إلا نفسه" (2)

وقال: "ومن حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان" (3)، ويظهر تجرده كذلك في دعوته أنه لا يرجو منصباً ولا يرنو إلى جاه ولا يبغي عرضاً زائلاً بل كان يدعو إلى الله ابتغاء مرضاته ولمع ذلك التجرد أنه "لما وَشَوْا به إلى السلطان الأعظم وأحضروه بين يديه قال من جملة كلامه: (إنني أُخبرت أنك قد أطاعك الناس وأن في نفسك أخذ الملك) فلم يكترث به بل قال له بنفس مطمئنة وقلب ثابت وصوت عالٍ سمعه كثير ممن حضر: أنا أفعل ذلك؟! والله إن ملكك، وملك المغل لا يساوي عندي فلسين" (4) بل عرضت عليه الولاية والإمارة من ملك التتر فردها حيث عرض عليه غازان بعد لقائه معه قائلاً له: "إن أحببت أن أعمرلك بلد آبائك حران (1) وتنتقل إليه ويكون برسمك فقال: لا والله لا أرغب عن مهاجر إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأستبدل به غيره" (2)

المطلب الثالث: حافظته القوية الواعية:

لقد وهب الله سبحانه آل تيمية ذاكرة واعية لكن خرقت العادة مع الإمام ابن تيمية حيث عرف عنه الحفظ وبطء النسيان و"إن المكانة الاجتهادية في العلوم الإسلامية التي أحرزها شيخ الإسلام ابن تيمية في عصره وإن التأثير العميق الذي خلفه على أهل زمانه لإمامته في التفسير والحديث معاً وتبحره ونبوغه في العلوم إنما كان الفضل الأكبر في ذلك يرجع إلى ذاكرته النادرة وذكائه المفرط وكل ذلك نعمة أكرمه الله بها وموهبة اختصه بها" (3)، وهذه الذاكرة الحديدية قد عرف بها منذ صباه و"كانت ذاكرته حديث زملائه من الفتيان بل تجاوز صيته دائرة الصبيان إلى دائرة الرجال وتسامعت دمشق وما حولها بذكائه ونبوغه" (4) يوضح هذا "أن بعض مشايخ حلب قدم إلى دمشق وقال: سمعت في البلاد بصبيٍّ يقال له: أحمد بن تيمية وأنه كثير الحفظ وقد جئت قاصداً لعلي أراه فقال له خياط: هذه طريق كتابه وهو إلى الآن ما جاء فاقعد عندنا الساعة يمر ذاهباً إلى الكتاب فلما مر قيل:هاهو الذي معه اللوح الكبير فناداه الشيخ وأخذ منه اللوح وكتب من متون الحديث أحد عشراً أو ثلاثة عشر حديثاً وقال له: اقرأ هذا فلم يزد على أن نظر فيه مرة بعد كتابته إياه ثم دفعه إليه وقال: أسمعه علي فقرأه عليه عرضاً كأحسن ما يكون ثم كتب عدة أسانيد انتخبها فنظر فيه كما فعل أول مرة فحفظها فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم؛ فإن هذا لم ير مثله فكان كما قال" (5)، وقد علق أحد العلماء على هذه القصة بقوله: "وتبدو القصة عارية عن المبالغة بعيدة عن الغلو فإنه مما تضافرت به الأخبار عن الإمام مالك (6)

أنه كان يستمع من ابن شهاب (1) بضعة وثلاثين حديثاً ثم يتلوها في الجلسة ومنها حديث السقيفة وإن كان ثمة فرق بين العصرين فعصر مالك كان عصر حفظ؛ الاعتماد فيه على الذاكرة لا على الكتب ومن شأن ذلك أن يقوي الحافظة ويرهفها؛ لأن من المقررات المستمدة من الاستقراء أن العضو الذي يكثر عمله يقوى ويشتد أما عصر ابن تيمية فكان عصر التدوين والتسطير والكتابة وليس من شأنه أن يقوي الحافظة؛ للاعتماد على السطور دون ما في الصدور ومهما يكن فمن الثابت أن ابن تيمية ? قد آتاه الله ذاكرة واعية منذ صباه .. ويظهر أن قوة الذاكرة قد ورثها ابن تيمية عن أسرته [فجده مشهور بقوة الذاكرة وسرعة البديهة] كما أن أباه قد كان يمتاز بأنه يلقي دروسه في الجامع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير