تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأكبر بدمشق غير معتمد على كتاب" (2)، وهذه الذاكرة المتوقدة قد شهد له بها المخالف قبل الموافق وهذا أمر معروف ومشهور في حياته منذ صباه حتى موته، فقوة الذاكرة وحدتها تميز العالم العبقري عن غيره من العلماء إذ إنه يحتاج إلى أدلة ونقول كما يحتاج إلى سرعة استحضار للآيات، وانتزاع الأحكام من متون الحديث باختلاف رواياته فضلاً عن أقوال الأئمة وهذه الذاكرة التي وصف بها الإمام ابن تيمية تؤكدها المناظرات التي حدثت له مع كبار علماء عصره حتى عجبوا من قوة حفظه وسرعة استحضاره للعلوم إضافة إلى ذلك العلماء الذين أرخوا حياته ذكروا أنه قل أن سمع شيئاً إلا حفظه مع قوة الإدراك وبطء النسيان (3) بل إنه "كان يمر بالكتاب مطالعة مرة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه" (4)، والبديهة الحاضرة والذاكرة القوية من أقوى الحجج والتي تبهر الخصوم وكان إذا أراد بدء الدرس فبعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم "يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق فنون واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء، واستشهاد بأشعار العرب وربما ذكر اسم ناظمها وهو مع ذلك يجري كما يجري السيل ويفيض كما يفيض البحر" (1)، وهذا يدل على مدى استحضاره للعلوم فيخرجها منظومة متراصة مع إتقان في النقل كأنما ينظر إلى كتاب " ولهذه الصفة كان خصوم ابن تيمية يتهيبون لقاءه ومن لا يعرفها فيه ويغتر بحجته إذا لقيه كان عبرة المعتبرين" (2)، وهكذا يُسخِّر الله سبحانه لدينه من يشاء ويهب لمن يشاء من عباده صفات لنصرة الدين وليكونوا عبرة للمعتبر.

المطلب الرابع: عمق تأمله:

إن مؤلفات الإمام ابن تيمية العديدة المتنوعة خير دليل يرشد إلى عمق تأمله فهو رافع راية العلماء وحامل علمهم وناقله بعين فاحصة بصيرة فهو ليس مجرد ناقل للعلوم بل إنه خبير بما يقرأ حريص على نشر ذلك التراث الزاخر بين أفراد الأمة ومما يدل على عمق تأمله للعلوم أنه ينقل المسائل الكبار والتي اختلف فيها العلماء فيورد أدلة هؤلاء وهؤلاء ثم يرجح ويوازن بينهما بإنصاف كما تقتضيه الصناعة العلمية وهو قد اجتهد في كثير من المسائل في شتى الموضوعات وكان له فيها القدح المُعلَّى بل قد وصل إلى سُدَّة الأمر فيها، فالقارئ لكتبه يجد هناك أصولاً وقواعد وضعها لضبط بعض المسائل كما يجد هناك اختيارات له توصل إليها دون تقليد لأحد بل بما عنده من علم فمنها ما وافق بعض الأئمة ومنها ما وافق صحابة أو تابعين كما أن منهجيته في تآليفه وتنوع الأجوبة والرسائل والوسائط الدعوية خير دليل على سعة علمه وهذه الأمور وغيرها متناثرة في كتبه وكتب من ينقل عنه تناثر الدر ومن الأمور الدالة على بعد نظره وعمق تفكيره أنه لا يأتيه مبطل بأدلة يريد بها إثبات باطلة إلا رد عليه من نفس أدلته وجعلها حجة عليه كما حكى ذلك الإمام ابن القيم بقوله:"وقال لي: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله" (3)، ومن خلال كلماته هذه تظهر لنا "قوته في تفجير دلالات النصوص

وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها" (1)، ومن الأمور التي اجتهد فيها وأظهرها فطر الجنود في رمضان عند ملاقاة العدو حيث أمر المسلمين المجاهدين بالفطر في رمضان لقتال العدو وأفطر هو بنفسه واخذ يمر بين الصفوف ليراه الجنود وقال: "هذا فطر للتقوِّي على جهاد العدو ... وقال: "والمسلمون إذا قاتلوا عدوهم وهم صيام لم يمكنهم النكاية فيهم وربما أضعفهم الصوم عن القتال فاستباح العدو بيضة الإسلام ثم قال: وهل يشك فقيه أن الفطر هاهنا أولى من فطر المسافر؟! " (2)، ومما يدل على مدى عمق فكره اللغوي أنه يربط بين الأسماء والمسميات فإذا ورد عليه لفظ أخذ معناه من نفس حروفه وصفاتها وجرسه وكيفية تركيبه حكى ذلك الإمام ابن القيم (3).

المطلب الخامس: حضور بديهته:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير