تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية - منذ زمن بعيد - أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال فائق، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفسَّاق. قال ابن عابدين - الحنفي- في "رد المحتار على الدر المختار" -: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ", والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها؛ فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.

وقال الحطَّاب – المالكي - في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين؛ قاله القاضي عبد الوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في "شرح الرسالة"، وهو ظاهر "التوضيح"، هذا ما يجب عليها". وقال في "منح الجليل" – المالكي -: "وإن علِمَت أو ظَنَّت الافتتان بكشف وجهها، وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ؛ فلا يقال كيف تترك الواجب، وهو كشف وجهها – يعني في الحج - وتفعل المحرم وهو ستره لأجل أمر لا يطلب منها، إذ وجهها ليس عورة على أنها متى قصدت الستر عن الرجال فلا يحرم ولا يجب الكشف كما يفيده الاستثناء ونصها وَوَسَّعَ لها مالك - رضي الله عنه - أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً, فإن لم ترد ستراً، فلا تسدل".

ولذلك: فالمُفتَى به الآن؛ وجوب تغطية الوجه والكفين على المعتبر من المذاهب الأربعة، وكتب المذاهب الأربعة زاخرة بذلك، ولولا خشية الإطالة لذكرنا الأدلة على مشروعية تغطية الوجه، وهو أدنى ما قيل فيها، فليُرَاجَع أيّ كتاب فقه في أبواب ستر العورة للنساء. إذ ليس الغرض تحقيق المسألة وإنما الغرض بيان أن القول بالبدعية لا قائل به ألبة، مع بيان أن الإمام مالكاً والمالكية براء مما نسب إليهم.

أما قوله:"إن إطلاق اللحية ليس ضرورة عند الإمام الشافعي":

فهو خلاف ما في كتب الشافعي نفسه؛ فقد نص في "الأم" على حرمة حلقها؛ قال ابن حجر الهيتمي – الشافعي - في "تحفة المحتاج": "قال الشيخان يكره حلق اللحية"، واعترض ابن الرفعة في "حاشية الكافية" بأن الشافعي نص في الأم على التحريم، قال الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة، وقال الأذرعي: "الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة"، وقد اعتمد بعض متأخري الشافعية كراهية حلقها في المذهب، والصحيح تحريمه وهو مذهب المتقدمين"، وقال الإمام النووي – الشافعي - في "المجموع": "والصحيح عدم جواز الأخذ منها مطلقاً، بل يتركها على حالها كيف كانت، للحديث الصحيح: ((وأعفوا اللحى)) ". وقال ابن عابدين - الحنفي - في "رد المحتار": "يحمل الإعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم، ويؤيده ما في مسلم عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((جزوا الشوارب واعفوا اللحى خالفوا المجوس))؛ فهذه الجملة واقعة موقع التعليل، وأما الأخذ منها وهي دون ذلك، كما يفعله بعض المغاربة، ومخنثة الرجال؛ فلم يبحه أحد"، وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد": "يحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال"، وقال الحطاب المالكي في "شرح خليل": ((وحلق اللحية لا يجوز، وكذلك الشارب، وهو مثلة وبدعة ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه)).

واحتجوا الأئمة على وجوب إعفاء اللحية ففي "الصحيحين" وغيرهما عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((جزوا الشوارب أرخوا اللحى وخالفوا المجوس))، والأحاديث في هذا الباب كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وهي أوامر شرعية مؤكدة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير