تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المطلوب من المثقفين الملتزمين -بالذات سواء الذين لم يرتبطوا بجماعات، أم الذين يشكلون جمهور الجماعات- أن يتقوا الله، وأن يعلموا أنهم يمارسون احترام التخصص بشكل يومي في كل صغيرة وكبيرة، فإذا مرض أحدهم لجأ إلى الطبيب، وإذا احتاج لعملية جراحية اتجه إلى الجرَّاح، وإذا أراد بناء بيت طلب من المهندس وضع المخطط والإشراف على البناء، وإذا تعطلت سيارته أو جهاز من أجهزة البيت أو العمل أو آلة من الآلات ذهب إلى المختص، ولا يجد في شيء من ذلك غضاضة ولا استنكافاً، ولا يعتبر ذلك تسلطاً من ذوى الاختصاص أو كهنوتية يمارسونها عليه، كما أنه لا يدعي أن هذه التخصصات بسيطة، وأنه يمكن له ولأي أحد أن يقوم بعمل الطبيب أو الجراح أو المهندس، كذلك لا يدعي أنه يستوي العالم بالطب مع غير العالم بأي فن مع الذي لم يتخصص فيه، بل إنه إذا عرضت قضية طبية أو عملية جراحية أو قضية عسكرية تحتاج إلى عدد من الأطباء أو الجراحين أو الضباط الكبار؛ فإنه يجتمع معهم في التصويت سواهم، ولا يطرح أحد هنا حجة المساواة بين الناس؛ لأن المساواة معهم في التصويت سواهم، ولا يطرح أحد هنا حجة المساواة بين الناس؛ لأن المساواة بين غير المتساويين، بين غير المختص وغير المختص ظلم شنيع وخلل فظيع.

فإذا كانت هذه الأمور محل تسليم منطقاً وشرعاً؛ فلماذا لا تسري كذلك على المختصين بالعلم الشرعي؟ فيتم احترامهم واحترام تخصصهم، والرجوع إليهم دون غيرهم في الأمور التي نظمها الدين؛ لأنهم أعلم بها، ويكون لا رجوعاً بدون حساسية ولا أنفة، وإذا احتاج الأمر إلى أن يتداولوا فيما بينهم في مجالسهم؛ انحصر التصويت فيما بينهم دون مشاركة من ليس منهم، وخرجوا للناس بالحلول الشرعية، فهذا هو المنهج الذي رضيه الله لعباده في هذا الباب وبلغه رسوله، والعلماء ورثة الأنبياء ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].

ومن أراد الالتحاق بالعلماء أهل الحل والعقد فلا حجر عليه، ولكن لا بد من أن يحقق شرط الشرع، وهو العلم كما فعل عمر رضي الله عنه لما ألحق ابن عباس رضي الله عنهما بمجلس شوراه، فلما سمع من يقول: [[لماذا يدخل هذا ولنا أبناء مثله؟]]؛ أراد عمر أن يظهر كفاءة ابن عباس فسأل الجميع عن الغرض من نزول سوره النصر، فكان ذلك الجواب المتميز من ابن عباس الذي دل على توفر شرط العلم لديه، مما جعله مؤهلاً ليكون مع علماء الصحابة في مجلس شورى عمر، وذلك كما هو ثابت في الحديث الذي رواه البخاري.

وإذا اقتنع المثقفون بذلك -ولا بد أن يقتنعوا إذا أرادوا الالتزام الصحيح بدينهم- فسوف يتحلون جميعاً بمختلف طاقاتهم للالتزام والاقتناع بمكانة العلماء: الكاتب منهم والصحفي والمحامي والضابط والاقتصادي والاجتماعي وهكذا.

وسيجدون أن العالم الشرعي نفسه يمارس احترام التخصص عند لجوئه إلى الطبيب للعلاج، وإلى الصحفي الثقة لأخذ الخبر والتحليل الصحفي، وإلى السياسي الكفء لإدراك الموقف السياسي السليم، وهكذا، تماماً كتسليم الأعضاء في الجسد للرأس بالتوجيه، واستجابة الأعضاء له الاستجابة التامة، رغم احتياج خلايا الرأس على الدم الذي يضخه القلب، والهواء الذي يأتي من الرئتين، والغذاء القادم من جهاز الهضم، وهلم جر ... في تعاون وتكامل وتنسيق مع خضوع كلي تام لخلايا الرأس ذي المكانة والطبيعة القائدة، والمؤمنون كالجسد الواحد كما بين عليه الصلاة والسلام.

هذه بعض خطوات يمكن أن يمضي فيها العلماء والمثقفون لإعادة المياه إلى مجاريها، أوردناها بعد شيء من التشخيص وإلقاء الضوء على الفصام الواقع في زماننا بين العلماء والمثقفين، ونسأل الله تعالى أن يرد الأمة بمجوعها إلى دينها ردًّ جميلاً، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل .. آمين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير