.... وهكذا كل من سلك طريقا في النفي زعم أنه لم يسلكه غيره، فإنه يوجب أن ذلك لم يُعلم قبله، فلا يكون من تقدم من خيار هذه الأمة / معتقدين لهذا النفي، ولو كان حق لاعتقدوه.
263
[ابن رشد] ..... في الطائفة التي نفتها عنه سبحانه أنها ملشية [لم يعرفها المحقق، ولعلها من (لا شيء)، أو من (التلاشي)]، واعتقدت التي نفتها في المثبتة أنها مكثرة.
270
وأبو حامد في مواضع يرى هذا الرأي، ونهيه عن التأويل في (إلجام العوام) و (التفرقة بين الإيمان والزندقة) مبني على هذ الأصل [أصل الفلاسفة في تخييل الرسل!]، وهؤلاء يرون إقرار النصوص على ظواهرها هو المصلحة التي يجب حمل الناس عليها، مع اعتقادهم أن الأنبياء لم يبينوا الحق، ولم يورثوا علما ينبغي للعلماء معرفته، وإنما المورث عندهم للعلم الحقيقي هم الجهمية والدهرية ونحوهم من حزب التعطيل والجحود.
وما ذكره هذا في النور أخذه من مشكاة أبي حامد [مشكاة الأنوار] وقد دخل معهم في هذا طوائف ممن راج عليهم هذا الإلحاد في أسماء الله وآياته، من أعيان الفقهاء والعباد.
وكل من اعتقد نفي ما أثبته الرسول حصل في نوع من الإلحاد بحسب ذلك. وهؤلاء كثيرون في المتأخرين، قليلون في السلف. ومن تدبر كلام كثير من مفسري القرآن وشارحي الحديث ومصنفي العقائد النافية والكلام وجد فيه من هذا ما يتبين له به حقيقة الأمر.
276
ولهذا كان حقيقة الأمر أن الحدود المقولة في جواب (ما هو) إنما يحصل بها التمييز بين المحدود وغيره، وأما نفس تصور حقيقته فذاك لا يحصل بالقول والكلام، لا على وجه التحديد ولا غيره، بل بإدراك النفس المحدودة.
277
ولكن لولا القدر المشترك لما كان في الكلام فائدة، ثم القدر المميز يحصل بالإضافة، فيعلم أنه نور ليس كالأنوار، موجود ليس كالموجودين، حي لا كالأحياء.
283
ومن هنا دخل الملحدون من الاتحادية، الذين قالوا بوحدة الوجود، وقالوا: إن الخلق مجالٍ ومظاهر، لأن وجود الحق ظهر فيها وتجلى، فجعلوا نفس وجوده هو نفس ظهوره وتجليه.
ومن المعلوم أن الشيء يكون موجودا في نفسه، ثم يظهر ويتجلى تارة، ويحتجب أخرى، سواء كان تجليه لوجود سبب الرؤية في الرائي، كالأعمى إذا صار بصيرا، أو لزوال المانع في الظاهر، كالحجب المانعة أو لهما جميعا.
وهؤلاء جعلوا وجود الحق في المخلوقات هو نفس ظهوره وتجليه فيها، وسموها مجالي ومظاهر، وذلك لأن حقيقة قولهم إنه ليس موجودا في الخارج، ولكنهم يظنون أنهم يعتقدونه موجودا في الخارج / فإذا شاهدوا الوجود الساري في الكائنات ظهر لهم هذا الوجود وهم يظنونه الله، فسموها مظاهر ومجالي، لأنها أظهرت لهم ما ظنوا أنه الله.
284
وما ذكره هذا الرجل موافقا فيه لصاحب المشكاة أن النور سبب وجود الألوان، وسبب إدراكنا لها، كما أن الله سبب وجود الموجودات، وسبب معرفتنا بها – ليس بمستقيم، فإن الألوان موجودة في نفسها، سواء أدركناها أو لم ندركها، وهي في نفسها مستغنية عن النور، ولكن النور شرط في إدراكنا لها لا في وجودها.
285
ومن هذا الباب قول من جعل المعدوم شيئا ثابتا في الخارج / مستغنيا عن الخالق، ومن جعل الماهيات غير الأعيان الموجودة
286
ولهذا كان الأئمة منهم كالجنيد وأمثاله، يتكلمون بالمباينة، كقول الجنيد: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم، وفي كلام الشاذلي والحرالي، بل وابن برجان، بل وأبي طالب وغيرهم من / ذلك ما يعرفه من فهم حقيقة الحق، وفهم مقاصد الخلق.
287
والناس في هذه المسألة على أربعة أقوال:
منهم من يقول بالحلول والاتحاد فقط كقول صاحب الفصوص وأمثاله.
ومنهم من يثبت العلو ونوعا من الحلول وهو الذي يضاف إلى السالمية أو بعضهم وفي كلام أبي طالب وغيره ما قد يقال إنه يدل على ذلك.
ومنهم من لا يثبت لا مباينة ولا حلولا ولا اتحادا، كقول المعتزلة ومن وافقهم من الأشعرية وغيرهم.
والقول الرابع إثبات مباينة الخلق للمخلوق بلا حلول، وهذا قول سلف الأمة وأئمتها.
288
ولهذا كان انقياد القلوب إلى قول الحلولية أقرب من انقيادهم إلى قول نفاة الأمرين. وجمهور الجهمية وعبادهم وصوفيتهم إنما يتكلمون بالحلول، وإلا فالنفي العام لا تقبله غالب العقول، وإنما يقوله من يقوله من متكلمتهم.
298
¥