تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولتعيين التقدير الصحيح ينبغي الرجوع إلى السنة لنعرف طريقة توسل الصحابة بالنبي ?؛ أكانوا إذا أجدبوا وقحطوا قعد كل واحد منهم في داره، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله ?، ثم قالوا: "اللهم بنبيك وبحرمته عندك اللهم اسقنا الغيث"، أم كانوا يأتونه ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى فيدعو، ويتضرع حتى يسقوا؟

الأول لا وجود له في كتب السنة، ولم يقع من الصحابة الكرام فعله، والثاني هو المقطوع بوقوعه لوروده في كتب السنة، كما في حديث الأعرابي المتقدم، وكما في حديث التوسل بالعباس، وكما في حديث عائشة ? قالت:" شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر ?وحمد الله عز وجل ثم قال " إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم " ().

- الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس؛ فإذا كانت لإنسان حاجة عند أحد المسوؤلين؛ فإنه يبحث عمن يعرف هذا المسوؤل فيطلب منه أن يشفع له عنده في قضاء حاجته، ولا نجد أحدا يذهب إلى المشفوع إليه فيقول بحق فلان عندك اقض حاجتي.

- ويؤيده عدول عمر عن التوسل بالنبي ? إلى التوسل بالعباس؛ لأنه ما عاد ممكنا أن يذهبوا إليه ويشرحوا له ما نزل بهم فيدعو لهم ويؤمنوا على دعائه، لأنه قد انتقل إلى حياة مباينة للحياة الدنيا مباينة كبيرة، ولو كان التوسل بالنبي ? ممكنا في هذا الوقت لما عدل عمر عنه إلى العباس، ولما أقره الصحابة فإن التوسل بغيره مع القدرة على التوسل به كالاقتداء بغيره مع القدرة على الاقتداء به، وهذا مما لم يكونوا يفعلونه، ألا تراهم لم يستسيغوا الاقتداء بأبي بكر عندما جاء النبي ? وكان أبو بكر يصلى بهم، فلما رأوا النبي ? صفقوا لأبي بكر ليتأخر؟!

- وهذا يدل على بطلان قول من قال إنه ? حي في قبره حياة كحياتنا؛ فإنه لو كان كذلك لما كان هناك وجه لانصرافهم للصلاة خلف غيره. ويبطله أيضا كونهم كانوا يستشيرونه في حياته في أمورهم ويستنصحونه، فلما مات لم يعودوا يفعلون ذلك، نعم هو حي في قبره عليه الصلاة والسلام أكمل حياة، لكنها مع ذلك حياة برزخية لها أحكام مختلفة عن الحياة الدنيوية.

- وقولهم: عدل عمر إلى التوسل لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل كلام عجيب ومضحك أيضا، كيف تخطر تلك الحذلقة الفقهية ببال عمر والصحابة وهم في جدب وشدة وقحط، والناس في شدة وكرب حتى أطلق على ذلك العام الرمادة، كيف يرد في خاطرهم مثل ذلك وهم أحوج شيء إلى الإغاثة فيتركون الوسيلة الكبرى إلى الوسيلة الصغرى؟ وقد علم بالضرورة أن الإنسان وقت الشدائد يبذل كل ممكن لديه ليتخلص منها!

- وعلى التنزل أن وقوع ذلك من عمر كان لبيان الجواز، فهل خطر نفس التعليل في نفس معاوية والضحاك بن قيس عندما كانا يتوسلان بيزيد بن الأسود الجرشي؟!!

4 - قد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر وقصده.

قال الحافظ في الفتح (3/ 150): " وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكانى من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس".

ففي هذا الحديث أن التوسل كان بدعاء العباس لا بذاته، ولو كان التوسل بذاته لما كان هناك حاجة لأن يقوم يدعو.

- وأيضا قد دل كلام عمر أن كلا التوسلين: توسلهم بالنبي ? وتوسلهم بالعباس، من نوع واحد؛ فإذا ثبت أن توسلهم بالنبي ? هو توسل بدعائه، ثبت أيضا أن توسلهم بالعباس هو توسل بدعائه، وهو ما توضحه رواية الإسماعيلي في مستخرجه، ولفظها:: كانوا إذا قحطوا على عهد رسول الله ? استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر ... "الحديث، فقوله " فيستسقي لهم " صريح في أنه ? كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى. قال في النهاية:" استسقيت فلانا: إذا طلبت منه السقيا".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير