- ويؤيده أنه لو كان توسلهم بذات العباس لا بدعائه لما تركوا التوسل بالنبي ? بهذا المعنى؛ فإنه ممكن لو كان مشروعا.
اعتراض وجوابه:
قال بعضهم عدل عمر عن التوسل بالنبي?؛ لأنه لم يكن يعلم حديث الضرير، وهو مردود بكون الاستسقاء كان علانية وبمحضر من الصحابة فكيف خفي هذا عن غيره؟
- وأيضا فإن لفظة" أن عمر كان إذا قحطوا ... " تدل على تكرر ذلك منه، فكيف خفي عليهم حديث الضرير في كل هذه المرات.
وأيضا لم يقع هذا من عمر وحده، ولا في عصره فحسب، بل فعل مثلَ فعله معاوية ابن أبي سفيان والضحاك بن قيس، فعدلا إلى التوسل بدعاء يزيد بن الأسود وعندهما جماعة من الصحابة وأجلاء التابعين؟؟
- ففي جريان عمل الصحابة على التوسل بذاته ? عند نزول الشدائد بهم- بعد أن كانوا لا يتوسلون بغيره في حياته – لدليل واضح على عدم مشروعيته هذا التوسل.
?
الشبهة الثانية: حديث الضرير
يحتج المخالفون بحديث آخر وهو ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث عثمان بن حنيف: " أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير، (وفي رواية: وإن شئت صبرت فهو خير لك) فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في (وشفعني فيه). قال: ففعل الرجل فبرأ" ().
قالوا: علّم النبي ? الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرا.
وما ادعوه ليس بصحيح؛ فإن هذا هو من التوسل بدعائه لا بذاته فلا حجة لهم فيه، ويدل على ذلك:
1 - مجئ الأعمى للنبي ? وطلبه الدعاء، ولو كان هذا توسلا بذاته أو بجاهه لما كانت هناك حاجة لمجيئه إليه، بل كان يكفي أن يجلس في بيته ويقول" اللهم بجاه نبيك اشفني"، لكنه لم يفعل لكونه عربي أصيل يفهم معنى التوسل عند العرب.
2 - أن النبي ? وعده بالدعاء وخيره بينه وبين أن يصبر على المصيبة.
3 - إصرار الأعمى على الدعاء بقوله:"فادعه"، ومقتضاه أن النبي ? دعا له؛ فإنه قد وعده بالدعاء إن لم يختر الصبر، ولحرص النبي ? على أن يستجاب له في الرجل وجهه إلى نوع آخر من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو لنفسه أيضا، كل هذا ليكون الدعاء أقرب للقبول.
4 - في بعض روايات الحديث" اللهم شفعه فيّ "، وهذا يستحيل معه حمل التوسل على أنه توسل بالذات والجاه؛ إذ المعنى: اقبل شفاعته فيّ، أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري، والشفاعة لغة: الدعاء، قال في لسان العرب:" الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع: الطالب لغيره". فثبت بذلك أن توسل الأعمى كان توسلا بدعائه ? لا بذاته.
5 - قوله في الحديث:" وشفعني فيه " أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته ? وهو دعاؤه برد بصري. ولا يكمن أن تفهم هذه الجملة على غير هذا الوجه. فظهر أن الأمر كله دائر في التوسل بالدعاء.
6 - هذا الحديث يذكره الأئمة في معجزات النبي ? ودعائه المستجاب، لذا أخرجه من صنف في " دلائل النبوة" كالبيهقي وغيره، وهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى هو دعاء النبي ? له. بدليل أن ليس كل أعمى دعا بهذا الدعاء عوفي وشفي!!
- وإذ قد ظهر أن حديث الأعمى دائر كله على دعائه ?، وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات والجاه، تبين لنا حينئذ أن قول الأعمى في دعائه: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ?، إنما المراد به: بدعاء نبيك، أي: على حذف المضاف، كما في قوله" واسأل القرية" أي: أهل القرية، وإذا قال المخالفون: بل تقديره:" أسألك وأتوجه إليك بجاه نبيك" قلنا لهم: هذا ما ليس في السياق تصريح إليه ولا إشارة، ولا في الكتاب والسنة وفعل الصحابة ما يدل عليه، أما تقديرنا فأدلته كل الوجوه المتقدمة.
- فائدة: لو حملنا حديث الأعمى على التوسل بالذات لبقي معطلا لقوله " اللهم فشفعه فيّ، وشفعني فيه" وهذا لا يجوز، فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها بحمل معناه على الدعاء، فبطل استدلالهم به، والحمد لله.
تنبيه:
وقع في بعض طرق الحديث الأخرى زيادتان يحتج بهما المخالفون على ما ذهبوا إليه:
¥