تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المقام الأول!! يصفه الغزالي بأنه مقام الاتباع، والكف عن الابتداع، وأصحاب هذه المقام يؤمنون بآيات الصفات والأسماء وأحاديثها من غير تغيير للظواهر أو نزوع إلى التأويل، كما قال مالك في الاستواء!! وكل مسلم يعرف أن هذا المقام هو مقام سلف هذه الأمة وأخيارها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، كما يعترف الغزالي ضمناً وصراحة. ولكن الغزالي ينعته صراحة أيضاً بأنه مقام العوام!! أما المقام الآخر، فهو مقام النظار أو المتكلمين أو الخلف، وهؤلاء يحرم عليهم ترك الظاهر من غير ضرورة مستمدة من البرهان القاطع؛ لأن ترك الظاهر بغير برهان قاطع كفر كما يقول الغزالي نفسه في نفس الكتاب. ولكن الغزالي يصف هذا المقام بأنه مقام النظار الذين اضطربت عقائدهم!!.

وأعتقد أن كل مسلم يحب أن يوجه إلى الغزالي هذا السؤال: إذا كان البررة الأخيار من سلف هذه الأمة هم العوام في الفكر والعقيدة والدين. فمن ـ يا تُرى ـ هم خواصها وأبرارها، وأرباب الفكر الثاقب والبصيرة المشرقة، والدين القويم؟ لقد ذكر في "إلجام العوام" أنهم السلف. أما هنا فلا يذكر لنا في مقابل هؤلاء "العوام" سوى: "النظار الذين اضطربت عقائدهم" أفهؤلاء هم الخواص أصحاب الفكر العبقري والدين الخالص السوِيّ؟! لقد ضل الغزالي بأتباعه في تيه سحيق عميق!! فهم إن دانوا بما دان به خيار هذه الأمة، سماهم عواماً، وإن دانوا بما دان به علماء الكلام، أو الخلف سمّاهم نظاراً قد اضطربت عقائدهم!!.

والمسلم الحق ـ ولا شك ـ يحب أن يكون من أولئك الذين أطلق عليهم الغزالي أنهم عوام.

وحسبنا من الغزالي اعترافه بأن أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كفوا عن التأويل، وأنهم آمنوا بصفاته وأسمائه كما وردت. وأن عقيدة السلف هي الحق والمنجاة، وأن التأويل هلكة ومَهْوَاة. اسمعوا إليه يقول في كتابه " قانون التأويل" عن التأويل في أصول العقيدة: " من أين يتجاسر عن الحكم بالظن، وأكثر ما قيل في التأويلات ظنون وتخمينات؟! ولست أرى أن أحكم بالتخمين. وهذا أصوب وأسلم من كل عاقل، وأقرب إلى الأمن يوم القيامة؛ إذ لا يبعد أن يُسْأل يوم القيامة، ويطالب، ويقال: لم حكمت علينا بالظن؟ ولا يقال له: لِمَ لمْ تستنبط مُرادنا الخفي الغامض (29) ". وتدبر ما ذكره دون أن يتعرض له بإبطال، وهو أن "إثبات الفوْق لله تعالى مشهور عند السلف ولم يذكر أحد منهم أن خالق العالم ليس متصلاً بالعالم، ولا منفصلاً، ولا داخلاً، ولا خارجاً، وأن الجهات الست خالية منه، وأن نسبة جهة فوق إليه كنسبة جهة تحت، فهذا قول بدع (30) " تُرى هل يقتنع أشاعرة العصر، وهم أحلاس هذه البدعة الملعونة التي ذكرها الغزالي؟.

ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 02 - 09, 07:19 م]ـ

يتبع ..

ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 02 - 09, 07:20 م]ـ

عقيدة الرازي

والفخر الرازي من أشهر متكلمي الأشاعرة، ومن غلاة المؤولة المسرفين في الطعن على السلف، ومن المؤلفين في كل فن حتى في السحر والتنجيم (31).

غير أنه ما لبث أن ارتاب في كل ما كتب ـ كما يقول شيخ الأزهر السابق، الشيخ مصطفى عبدالرازق:

" وقلَّت ثقته في العقل الإنساني، وأدرك عجزه، وأدرك تماماً أنه لا يستطيع الإحاطة بالوجود في ذاته. وكانت تنتابه في بعض مجالس وعظه نوبات فيصرخ مستغيثاً!! وعظ يوماً بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري، وحصلت له حال، فاستغاث: " يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقي"! كما يذكر الشيخ أيضاً ما نقله ابن الصلاح عن الرازي، وهو قوله: " ياليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى (32) ".

ومن وَهَج الحسرة البالغة على ما ضيّع من عُمُرٍ في الجدلِ عن الضلالة، ومن دموع الندامة التي كانت تؤُجُّ في أعماقه، ومن أغوار فاجعته النفسية راح يندب نفسه بهذه الأبيات:

نِهايةُ إقدامِ العُقولِ عِقالُ

وأكثرُ سَعي العالمين ضلالُ

وأرواحنا في وحْشةٍ من جسومنا

وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (33)

إنها عاصفة الشك تجتاح نفسه، وتدمر ثقته في كل ما ألفه وكتب، وقرأ من قبل، وإنها صرخة الندم على ما ضيع!!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير