تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أبو الحسن الأشعري: (قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة الا الله وحده وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس، وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس، الله سبحانه وتعالي، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وكان جهم بن صفوان يقف على الجذامي ويشاهد ما هم فيهم من البلايا ويقول: أرحم الراحمين يفعل مثل هذا، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة، وأن الأمر راجع الجبر وإلي محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة.

والجهم بن صفوان انتقل إلي ترمذ أحد البلدان في إيران، وبدأ الدعوة لمذهبه، فانتشرت فيها عقائد الإنكار والتعطيل لكلام الله، ثم وجد لدعوته أتباعا ومريدين من العامة والدهماء والجاهلين، في مدن أخرى من مدن إيران، ثم انتشرت أفكاره في بغداد وبقية البلدان، فالجهمية فرقة ظهرت في أواخر الحكم الأموي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي السمرقندي

لكن نرجع إلي سؤال الأساسي في مناقشة السمنية لهذا الجهمي؟ فهم لما ناقشوا الجهم قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم، قالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا قالوا: فهل شممت له رائحة؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا قالوا: فما يدريك أنه إله؟ لو أن أحدا سألنا كما سأل الجهم: هل رأيت ربك؟ أو هل يمكن أن نري الله؟ والجواب أنه كان يكفي الجهم بن صفوان في الرد على السمنية أن يقول: إن الله يري في الآخرة ولا يري في الحياة الدنيا لأن الله شاء لنا الابتلاء والاختبار فيها، فلو رأيناه أو رأينا ملائكته أو جنته وعذابه مباشرة دون حجاب لما كان لقيام السماوات والأرض بهذه الكيفية وبهذا الوضع الذي فطرنا عليه معني يذكر،) ألمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقّ) إبراهيم:19) ولذلك قال تعالى): الذي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُو العزيز الغَفُورُ) (الملك:2 (

فكيف يتحقق الإيمان به ونحن نراه؟ وإذا كان الله لا يري في الدنيا ابتلاءا فإنه سبحانه يري في الآخرة إكراما لأهل طاعته كما قال سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (القيامة:22:23) وقد تواترت الأحاديث في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.

فالعلة في عدم إدراك الكيفية ليست عدم وجودها ولا استحالة رؤية الله عز وجل، ولكن العلة هي قصور الجهاز الإدراكي البشري في الحياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب، فقد خلق الله الإنسان بمدارك محدودة لتحقيق علة معينة تمثلت في الابتلاء لقوله تعالى: إِنَّا خَلقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (الانسان:

فإذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كما ثبت عند البخاري: (إنكم سترون ربكم عيانا) أو (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته)، علمنا أن إدرك العين المبصرة في الدنيا، تختلف عن إدراك العين المبصرة في الآخرة.

من أجل ذلك وجب الإيمان بالرؤية في الآخرة والتسليم بذلك لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح، وكذلك الحال في بقية الصفات، نؤمن بها ونثبتها لله دون سؤال عن الكيفية، لكن الجهم بن صفوان بهذا الفكر العقلي الخبيث الذي زعم به أن الله حل في مخلوقاته وهو بذاته في كل مكان نظر في كتاب الله، فما ظن أنه يوافق مذهبه من النصوص احتج بها، وما ظن أنه يخالف مذهبه من النصوص أنكرها وعطلها عن مدلولها فوجد قوله تعالى) ليْسَ كَمِثْلهِ شيء)،) وقوله تعالى:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ (وقوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ اْلأبْصَارَ) فبني عليها القول بالحلول ونفيه لصفات الله والتكذيب بها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير