تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[30 - 03 - 09, 11:24 م]ـ

وكشيء جانبي، فإني قرأت مرة أن شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقول: هناك ظاهران لكل آية فيها صفة، فالظاهر الحق هو إثبات الصفة كما يليق بجلاله سبحانه، والظاهر الباطل هو زعم أن الصفة التي في الآية عين التشبيه أو موهم للتشبيه، فيجب تعيين الحق دون الباطل.

ولا أدري أين هذه المقولة لابن تيمية، والذي أعلم أنني قرأتها في هذا المنتدى.

لم يقل ابن تيمية رحمه الله: أن لكل آية فيها صفة ظاهران، ولم يرد ذلك عن علماء السلف رحمهم الله تعالى.

ولكن ابن تيمية رحمه الله ذكر انقسام الناس في فهم آيات الصفات إلى ستة أقسام، ومعلوم أن هذا الإنقسام حدث بعد عهد الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان من بعدهم مما يدل على أن أكثره مخالف لما كان عليه أولئك رضي الله عنهم وأرضاهم، وأن الحق هو ما كان موافقا لهم.

فقال رحمه الله: " وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة:

قسمان يقولان: تجرى على ظواهرها.

وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها.

وقسمان يسكتون.

أما الأولون فقسمان:

أحدهما: من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل، أنكره السلف، وإليهم يتوجه الرد بالحق.

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجرى ظاهر اسم العليم والقدير، والرب والإله، والموجود والذات، ونحو ذلك، على ظاهرها اللائق بجلال الله، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث، وإما عرض قائم به.

فالعلم والقدرة، والكلام والمشيئة، والرحمة والرضا، والغضب ونحو ذلك، في حق العبد أعراض؛ والوجه واليد والعين في حقه أجسام، فإذا كان الله موصوفًا عند عامة أهل الإثبات بأن له علمًا وقدرة، وكلامًا ومشيئة وإن لم يكن ذلك عرضًا، يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجسامًا، يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين.

وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح، فإن الصفات كالذات، فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات، فصفاته ثابتة حقيقية من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات.

فمن قال: لا أعقل علمًا ويدًا إلا من جنس العلم واليد المعهودين. قيل له: فكيف تعقل ذاتًا من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه.

وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينزل إلى سماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ ونحو ذلك، فقل له: كيف هو في ذاته؟ فإذا قال لك: لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر. فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته، وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك .....

وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها - أعني الذين يقولون: ليس لها في الباطن مدلول هو صفة الله تعالى قط، وأن الله لا صفة له ثبوتية، بل صفاته إما سلبية وإما إضافية وإما مركبة منهما، أو يثبتون بعض الصفات وهي الصفات السبعة أو الثمانية أو الخمسة عشر أو يثبتون الأحوال دون الصفات، ويقرون من الصفات الخبرية بما في القرآن دون الحديث، على ما قد عرف من مذاهب المتكلمين - فهؤلاء قسمان:

قسم يتأولونها ويعينون المراد؛ مثل قولهم: استوى بمعنى: استولى، أو بمعنى: علو المكانة والقدر، أو بمعنى: ظهور نوره للعرش، أو بمعنى: انتهاء الخلق إليه، إلى غير ذلك من معاني المتكلمين.

وقسم يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية عما علمناه:

وأما القسمان الواقفان:

فقوم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز ألا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك. وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم.

وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث، معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات.

فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها.

والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها، القطعُ بالطريقة الثابتة، كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه وتعالى فوق عرشه، ويعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، دلالة لا تحتمل النقيض، وفي بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض، وتردد المؤمن في ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والإيمان، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.

ومن اشتبه عليه ذلك أو غيره، فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا قام يصلي من الليل قال: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وفي رواية لأبي داود: (أنه كان يكبر في صلاته ثم يقول ذلك). انتهى كلامه

مجموع الفتاوى المجلد الخامس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير