يبحث في نهاية كتابه (حياة المسيح أو عبقرية المسيح)، عن مصدر ما جاء به المسيح ـ عليه السلام ـ. من أين تعلم؟!
ولا يجد مصدراً، ذلك أن شخص المسيح ـ عليه السلام ـ لم يحظَ باهتمامِ مَن دونوا التاريخ من أتباعه، فحياةُ المسيح ـ عليه السلام ـ مجهولةٌ في كثير من مراحلها، لم يعثر العقّاد على شيءٍ ينسب إليه علم المسيح ـ عليه السلام ـ فراح يُخمن .. راح يتكلم بالظنون!!
يقول: ربما في كُتَّابِ القرية، أو من يوحنا المعمدان (يحى بن زكريا)، مع أن يحى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ على ما تذكر الأناجيل وما يعترف به عباس العقاد لم يُلْقِ إلى المسيح إلا كلمات معدودات، ولو سلمنا بأن الذي علمه هو يحى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ فمن علم يحى ـ عليه السلام ـ ومن علم زكريا ـ عليه السلام ـ؟!
لا تجد إجابة عند العقاد، فقد يريد أن يثبت العبقرية للمسيح ـ عليه السلام ـ وأنه تعلم من تلقاء نفسه أو ممن حواليه، ليقول أن ما تم على يد المسيح ـ عليه السلام ـ ما هو إلا مجهود ذاتي .. عبقرية.!
ويقول: ومن الخلوة في البرية (التي عالجها كل نبي قبل أن يصدع بما أمر الله به، وقبل أن يستيقن أن ما أمَّر به من عند الله) (31)، ويقول بعد كلامٍ مرسل عن فترة الخلوة في البرية (وإن فترة الخلوة في البرية على أثر ذلك كانت فترة اعتكاف لاستخلاص الحقيقة من أعماق الضمير ... وعندنا أنفس خبر يعين على التعريف بمنهاج الإيمان في نفس الرسول العظيم هو هذا الخبر عن تجربة الوحدة في البرية ... ) (32).
والخلوة في البرية التي يتكلم عنها العقاد أمرها عجيب جداًَ، قد يذهب بعقلك.
لم تكن خلوة كما يدعي العقاد، وإنما ـ حسب رواية الأناجيل ـ تسلط الشيطان على ربهم ـ الذي هو المسيح بزعمهم الكاذب ـ أربعين يوماً وساح به في البرية يصعد به ويهبط، ويدخل به ويخرج، ويأمره وينهاه.
الشيطان تسلط على ربهم أربعين يوماً.
هذا قولهم.
وهم لا يجدون ما يعتذرون به، إلا كلاماً يَضحَكون به على أتباعهم ويُضحِكون به مخالفيهم. ويأتي العقاد يُضحكنا عليه بسذاجته واستغفاله لمن يقرأ حين يدعي أنها كانت خلوة في البرية تعلم منها المسيح ـ عليه السلام ـ.!!
موسى عليه السلام
وموسى ـ عليه السلام ـ علمه بشر أيضاً عند العقاد، يقول: (موسى الكليم الذي تتلمذ على حمية نبي مدين قبل جهره بدعوته وبعد أن جهر بهذه الدعوة في مصر وخرج بقومه منها إلى أرض كنعان، ولكنهم أخذوها وسلموها فنقصوا منها ولم يزيدوها) (33)
ونجد في كلامه ما يُبين أن الرجل ينكر الوحي من الله لأنبيائه مثل (هنا موقف من المواقف التي نسميها موقف استلهام الغيب واستخارة الحوادث) (34)
ومثل: (ولم تكن النبوءة بإذن من ذوي السلطان أمراء كانوا أو كهاناً أو شيوخاً مطاعين في القبيلة. بل يمتلئ يقين الإنسان بالإيحاء إليه فيمضي في تبليغ وحيه ولا يقوى أحياناً على كف لسانه) (35)
ومثل: (وإن الإنسان المتهيئ للنبوءة كان يخشى أن يسكت عن الدعوة متى جاشت ضمائره بحوافزها وألحت عليه أياماً بعد أيام) (36)
ومثل: قوله عن إبراهيم عليه السلام: (اختبر حياة الشرك واختبر شعائره وفرائضه، وخلصت له الهداية بالخبرة والهداية الإلهية) (37)
ومثل: (أما ديانات الأنبياء فلا وجود لها في غير السلالة العربية، والاختلاف بينها وبين الديانات الأخرى أن النبي لا يعينه أحد ولا ينبعث بأمر أحد، ولكنه ينبعث بباعث واحد من وحي ضميره ووحي خالقه) (38).
ووحي خالقه لا يفهم منها نزول ملك الوحي جبريل على النبي، أيِّ نبي، كما فهذا بين في كلامه كما تقدم، وإنما الوحي عنده أقرب ما يكون للوحي بمعنى الإلقاء في النفس.
غاندي (نبي الهند)!
وغاندي الهندي (نبي الهند) كما يسميه عباس العقَّاد، كانت عبقريته ـ أو نبوته ـ وراثية (رضعها من ثدي أمه قبل أن يتعلمها من مرشد إلى أدب، أو مبشر بدين)، كما يدعي العقّاد.
وفي غاندي الهندي عابد البقرة كما يصوره لنا عباس العقاد عجيبة تنقض ما مضى كله في العبقريات.
¥