وقد أثبت الله جل وعلا في كتابه ولايته لبعض خلقه، فقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257]، فأثبت سبحانه وتعالى ولايته للمؤمنين، كما أن الله سبحانه وتعالى نفى أن يكون له وليٌّ، لكن الولي المنفي غير الولي المثبت، فالولي المنفي مقيد؛ حيث قال سبحانه وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:111] أي: لم يكن له وليٌّ يستنصر ويعتز ويتقوى به فولاية الله عز وجل لمن يتولاهم ليست عن حاجة، ولا عن افتقار، بل هو الغني الحميد جل وعلا، وإنما ولايته سبحانه وتعالى لمن يتولاه هي ولاية رحمة ومنة وفضيلة ومنحة منه جل وعلا وإكرامٍ لمن يتولاه.
وعلى هذا فإن الولاية على اختلاف مواردها تدور على معنيين: المحبة، والنصرة، ويقابل الولاية العداوة، فالعداوة مبنية على الإبعاد والكره والبغض، والولاية مبنية على المحبة والنصرة، والله سبحانه وتعالى قد بين أوصاف أوليائه.
ب- الولاية بمفهومها القرآني:
. قال تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس الآية:62]. أي: الذين آمنوا بقلوبهم فصلحت قلوبهم واستقامت أفئدتهم، وكانوا يتقون في أعمالهم وجوارحهم.
والتقوى هنا هي فعل ما أمر الله سبحانه وتعالى به وترك ما نهى عنه، وهذا وصف شامل يتميز به أولياء الله عن غيرهم.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (وولي الشيء هو الذي يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر) "فتح القدير"
وقال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله عند ذكر الآية: (والصواب من القول في ذلك أن يقال (الولي) أعني ولي الله هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى كما قال الله {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ})." تفسير الطبري"
هذا هو ولي الله وهذه هي الولاية بمعناها الصافي الأصيل كما عرضها القرآن الكريم، ليس كما تصورها البعض ممن غرق في متاهات التصوف ومستنقع الكلام.
فقد بين القرآن الكريم أولياء الله بياناً شافياً إنهم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى
وهذه هي أوصافهم كما ورد في القرآن الكريم ((التقوى والإيمان)) وأن أولياء الله {الذين آمنوا وكانوا يتقون}، ثم بين تعالى الإيمان وأجزاءه، والتقوى وأجزاءها في موطن عديدة، لذلك قال أهل العلم: (فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا).
"تفسير ابن كثير"
أما تصوّر المتصوّفة ومن وافقهم لمفهوم الوليِّ ومقام الولاية أقرب إلى الخيال المحلّق، بل قد يتجاوزه، لأن الخيالَ لا حدودَ له يسرح الإنسانُ فيه ويحلمُ كما يشتهي، وقد يعتادُ على ذلك، وعندها يغدو رهين أوهامه النفسية التي تهيمن عليه، فيصدّق كلّ ما يجول في خاطره من وساوس النفس ووحي الشياطين.
لهذا، فانّ شخصية الوليّ الّذي وصفه الله بالإيمان والتقوى، وأنه لا يخاف ولا يحزن؛ تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الشخصية الّتي تتصف بالولاية في عقيدة الصوفيّةِ.
ومما تقدم نعلم أن الولاية ليست مكتسبةً بالنسب، ولا مكتسبةً بالجاه، ولا مكتسبةً بالوراثة، ولا مكتسبة بملبسٍ معينٍ، أو بانتسابٍ إلى جهة معينةٍ، إنما تكتسب بالعمل الذي دائرته الكبرى هي التقوى والإيمان، لقوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63].
ج- الولاية بمفهومها النبوي:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ} البخاري.
¥