لا تعارض بين المفهوم القرآني والنبوي للولاية بل السنة النبوية جاءت مؤكدة لمعناها القرآني وتجلياته من خلال رسم معالمها وتزكية مفهومها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى)."الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان"
فالولاية تقتضي لزوم ما يحبه الرب سبحانه وتعالى من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيما القيام بفرائضها ثم تليها نوافل الخيرات الصالحة فإن الله يرضى عنه ومن لزم محبوبات الحق أحبه الله محبة كاملة و وضع له القبول في الأرض ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أحب الله العبد دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض} البخاري ومسلم، وتلك هي منزلة الولاية، فإنما المحبة ولاء كما نص على ذلك أرباب القلوب.
قال الإمام الرباني ابن القيم رحمه الله: (وهذا هو السير المفضي إلى هذه الغاية التي لا تنال إلا به ولا يتوصل إليها إلا من هذا الباب وهذه الطريق وحينئذ تجمع له في سيره جميع متفرقات السلوك من الحضور والهيبة والمراقبة ونفي الخواطر وتخلية الباطن فإن المحب يشرع أولا في التقربات بالأعمال الظاهرة وهي ظاهر التقرب ثم يترقى من ذلك إلى حال التقرب وهو الانجذاب إلى حبيبه بكليته بروحه وقلبه وعقله وبدنه ثم يترقى من ذلك إلى حال الإحسان فيعبد الله كأنه يراه فيتقرب إليه حينئذ من باطنه بأعمال القلوب من المحبة والإنابة والتعظيم والإجلال والخشية فينبعث حينئذ من باطنه الجود ببذل الروح والجود في محبة حبيبه بلا تكلف فيجود بروحه ونفسه وأنفاسه وإرادته وأعماله لحبيبه حالا لا تكلفا فإذا وجد المحب ذلك فقد ظفر بحال التقرب وسره وباطنه وإن لم يجده فهو يتقرب بلسانه وبدنه وظاهره فقط فليدم على ذلك وليتكلف التقرب بالإذكار والأعمال على الدوام فعساه أن يحظى بحال القرب. ووراء هذا القرب الباطن أمر آخر أيضا وهو شيء لا يعبر عنه بأحسن من عبارة أقرب الخلق إلى الله عن هذا المعنى حيث يقول حاكيا عن ربه تبارك وتعالى: "من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" فيجد هذا المحب في باطنه ذوق معنى هذا الحديث ذوقا حقيقيا" "مدارج السالكين"
فميزان الولاية في القرآن والسنة النبوية يدور حول أربعة أمور:
أولا: الإيمان: بأركانه الستة (الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره).
ثانيا: التقوى: بمفهومها العام من خلال إتباع الكتاب والسنة وسلوك الجادة إلى صراط الله المستقيم.
ثالثا: الفرائض: و أفضلها أركان الإسلام من شهادة وصلاة وزكاة وصيام وحج.
قال شيخ الإسلام: (فالمتقربون إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ: هُمْ الْأَبْرَارُ الْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ) "الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان"
رابعا: النوافل: وتشمل كل الأعمال الصالحة من صلوات وصدقات غير المفروضة وهذه لا حصر لها.
قال شيخ الإسلام: (والمتقربون إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي يُحِبُّهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ، هُمْ السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ) "الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان"
وَإِنَّمَا تَكُونُ النَّوَافِلُ بَعْدَ الْفَرَائِضِ لا كما توهمه البعض فزلت بهم الأقدام، وَقَدْ قَالَ الصَّدِيقُ رضي الله عنه حين حضره الموت فِي وَصِيَّتِهِ لِلفاروق عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: {إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لاَ يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لاَ يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لاَ يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ} "مصنف ابن أبي شيبة، مصنف عبد الرزاق".
لأن في أداء الفرائض تعظيما للأوامر وبذلك الانقياد تتجلى عظمة الربوبية ويظهر ذل العبودية، أي أن العبد يتذوق كؤوس التذلل والتضرع لله تعالى ويفرغ قلبه له وحده ما استطاع إلى ذلك سبيلا. "كشف المشكل من حديث الصحيحين لإبن الجوزي" جمالية الدين" بتصرف
¥