ولا يزال العبد على حاله يقترب من ربه بالنوافل حتى يحصل له المقصود، لأن مؤدي الفروض ربما فعله خوفا من العقاب أما المتقرب بالنفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة والقرب فيثمر له ذلك مقصوده.
"كشف المشكل من حديث الصحيحين لإبن الجوزي" بتصرف
وهذا الحديث فيه فوائد جليلة تحتاج منا إلى وقفة أهمها:
- أن الله سبحانه وتعالى قدم الأعذار إلى كل من عادى وليا أنه قد آذنه بأنه محاربه، ومن بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ أهلكه.
- ولي الله تعالى هو الذي يمتثل لشرع الله، فليحذر كل امرئ من إيذاء أولياء الله.
- المعاداة أن يتخذه عدوا، ونهاية العداوة الحرب.
- فيه إشارة إلى أنه لا تقدم نافلة على فريضة، وإنما سميت النافلة نافلة إذا قضيت الفريضة وإلا فلا يتناولها إسم الفريضة، ولأن التقرب بالنوافل يكون بتلو أداء الفرائض كما أفاده سياق الحديث.
- كلما أدام العبد التقرب بالنوافل أفضى ذلك به إلى أن يحبه الله عز وجل.
- ولي الله لا يسمع ما لم يأذن الشرع له بسماعه ولا يبصر ما لم يأذن الشرع له في إبصاره ولا يمد يده إلى شيء ما لم يأذن الشرع له في مدها إليه، ولا يسعى برجله إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه.
- ولي الله كليته مشغولة فلا يصغي بسمعه إلا ما يرضي الرب، ولا يبصر إلا بأمره، فيحصل له المقصود كما يناله بجوارحه.
- الله سبحانه وتعالى يمد وليه بالعون والنصرة على عدوه.
قال الشوكاني رحمه الله: ((الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث القدسي، أنه إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنه سحب الغواية. وقد نطق القرآن العظيم بأن الله هو نور السموات والأرض.
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه قال: ((رأيت نورا أنى أراه) مسلم والترمذي، وثبت أنه سبحانه محتجب بالأنوار، وثبت في الصحيحين وغيرهما من دعائه: ((اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا) البخاري ومسلم، وأي مانع من أن يمد الله سبحانه عبده من نوره فيصير صافيا من كدورات الحيوانية الإنسانية لاحقا بالعلم العلوي سامعا بنور الله، مبصرا بنور الله، باطشا بنور الله، ماشيا بنور الله، وما في هذا من منع أو من أمر لا يجوز على الرب سبحانه وتعالى وقد سأله رسوله صلى الله عليه وسلم وطلبه من ربه.
ووصف الله عباده بقوله: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [سورة الفتح:] وليس في هذا ما يخالف موارد الشريعة .. وقد جعل الله سبحانه الخروج من ظلمات المعاصي إلى أنوار الطاعات خروجا من الظلمات إلى النور)).
((فمعنى الحديث: كنت سمعه بنوري الذي أقذف فيه، فيسمع سماعا لا كما يسمعه أمثاله من بني أدم، وكذلك بقية الجوارح)). وأنظر في هذا الدعاء الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون نور الله في سمعه وبصره وقلبه وعصبه ولحمه ودمه وشعره وبشره ولسانه ونفسه، بل سأل ربه أن يمده بنوره خلفه وأمامه، فلولا أن لنور الله سبحانه قوة لجميع الأعضاء ما طلبه سيد ولد آدم وخير الخليقة) "قطر الولي"
- ولي الله إذا أحبه الله أعطاه سأله وأعاذه ممن يخافه مع أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعطيه قبل أن يسأله وأن يعيذه قبل أن يستعيذه.
- ما سئل ولي الله قط إلا وأجيب وإلا أذخرت الإجابة لمصلحة لا يعلمها إلا الله، وقد يسأل ما يظن فيه مصلحة ولا يكون كذلك فيعوض خيرا منها عاجلا أو آجلا.
- تردد الرب سبحانه وتعالى كمال منه جل جلاله ومحبة ورقة ولطف بعباده المؤمنين وذلك ثمرة الولاية. " كشف المشكل من حديث الصحيحين لإبن الجوزي بتصرف"
قال الإمام الشوكاني في معرض الكلام عن التردد (كناية عن محبة الله لعبده المؤمن أن يأتي بسبب من الأسباب الموجبة لخلوصه من المرض الذي وقع فيه حتى يطول به عمره من دعاء أو صلة رحم أو صدقة، فإن فعل مد له في عمره بما يشاء وتقضيه حكمه، وإن لم يفعل حتى جاء أجله وحضره الموت: مات بأجله الذي قد قضى عليه إذا لم يتسبب بسبب يترتب عليه الفسحة له في عمره مع أنه وإن فعل ما يوجب التأخير والخلوص من الأجل الأول: فهو لابد من الموت بعد انقضاء تلك المدة التي وهبها الله سبحانه له) "قطر الولي". و يبقى المعنى أعم من ذلك والله تعالى أعلم.
¥