ومما يدلك على براءة الواحدي من هذا المذهب تفسيره لقول الله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [سورة البقرة: (25)].
قال بعد أن فسر الجنات والثمار وأكل أهل الجنة منها – تفسيراً صحيحاً لا تحريف فيه-.
قال: " وقوله تعالى: (وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) "الأزواج": جمع زوج وزوجة وشكل كل شيء: زوجه، و"مطهرة" قال مجاهد: لا يتغوطن ولا يبلن ولا يمنين ولا يحضن، فهن مطهرات من الحيض والبول والنخام والبزاق والمني والولد.
وقيل "مطهرة" من مساوئ الأخلاق،لما فيهن من حسن التبعل،ودل على هذا قوله: (عرباً أتراباً).
(وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) لأن تمام النعمة بالخلود والبقاء هناك كما أن التغيض (3) بالزوال والفناء.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبرهيم النجار، حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني، حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة، وحدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط وإن مما يغنين به: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف نحن المقيمات فلا نظعن" (4) ".
انظر إلى قوله: " "الأزواج": جمع زوج وزوجة وشكل كل شيء: زوجه ".
فهو يبين لك أن هذا اللفظ مشترك، فهو يشمل الزوج باللفظ المذكر والزوجة باللفظ المؤنث، ويزيد أنه يشمل شكل كل شيء.
وانظر إلى قوله في تفسير الزوجات من الحور العين:
" قال مجاهد: لا يتغوطن ولا يبلن ولا يمنين ولا يحضن، فهن مطهرات من الحيض والبول والنخام والبزاق والمني والولد".
أقول: وذلك لتمام نعيمهن وتنعم أزواجهن به.
يؤكد ذلك ما رواه البخاري (5) ومسلم (6) عن أبي هريرة – رضي الله عنه –قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة. لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة (عود الطيب) أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعا في السماء".
قال الواحدي نفسه في تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ) الوسيط (3/ 516) في تفسير الآية (58) من سورة يس قال:
" (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ) يعني في الآخرة (فِي شُغُلٍ) وقُرِئ شُغْلٍ وهما لغتان، قال مقاتل: شُغِلوا بافتضاض العذارَى عن (7) أهل النَّار فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم، وهذا قول جماعة المفسرين، وقال الحسن: شُغِلوا بما في الجنة من النعيم عمَّا فيه أهل النار من العذاب (فَاكِهُونَ) ناعمون معجبون بما هم فيه، قال أبو زيد: الفكه الطيب النفس الضحوك يُقَال رجل فكه وفاكه ولم يسمع لهذا أفعل في الثلاثي (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ) يعني حلائلهم (فِي ظِلَالٍ) قال مقاتل: في أكنان القصور،وقرئ في ظلل وهي جمع ظلة (عَلَى الأرَآئِكِ) وهي السرر عليها الحجال قال أحمد بن يحيى: الأريكة لا تكون إلا سريراً في قبة عليه سواره ومتاعه (لَهُمْ فِيهَا) في الجنة (فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ) يتمنون ويشتهون".
انظر تفسيره لقوله تعالى: (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) وقوله: "وهذا قول جماعة المفسرين" وكلام الحسن لا يناقض قول جماعة المفسرين، فتفسيرهم خاص بهذه الجملة وتفسير الحسن عام يدخل فيه قول جماعة المفسرين.
3 - وقد فَسَّر قول الله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) إلى قوله (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) تفسيرا واضحا كما يفهمه المسلمون.
¥