تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن السببية هي تعبير أساسي لطبائع الأشياء المادية وللعقل وللمنطق أيضاً. ولذلك يقول أبن رشد: أن "العقل ليس هو شيئاً أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها. وبه يفترق عن سائر القوى المدركة. فمّنْ رفعَ الأسباب فقد رفع العقل. وصناعة المنطق تضع وضعاً أنّ ههنا أسباباً ومسببات، وأن المعرفة بتلك المسبّبات لا تكون على التمام إلاّ بمعرفة أسبابها، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له، فإنه يلزم أن لا يكون ههنا شيء معلوم أصلاً علماً حقيقياً؛، بل إن كان فمظنون، ولا يكون ههنا برهان ولا حدّ أصلاً. وترتفع أصناف المحمولات الذاتية التي منها تأتلف البراهين. ومن يضع أنه ولا علم واحد ضروري، يلزمه أن لا يكون قوله هذا ضرورياً". (ص،785).

ليس هذا فحسب، بل يرى أبن رشد أن: مَن جحد الأسباب فقد جحد الصانع الحكيم (الله)، وجعل وجود المسبَّبات عن الأسباب بالاتفاق وبغير مقصد، فلا تكون هناك حكمة أصلاً ولا تدل على صانع بل إنما تدل على الاتفاق. فقول الغزالي أن الله أجرى العادة بهذه الأسباب قول بعيد جداُ عن مقتضى الحكمة، بل هو مبطل لها لآن المسببات إن كان لها يمكن أن توجد من غير هذه الأسباب فأي حكمة في وجودها عن هذه الأسباب؟ وأي دلالة فيها على الصانع؟ فلو لم يكن شكل يد الإنسان وعدد أصابعها ومقدارها ضرورياً في الإمساك الذي هو فعلها وفي احتوائها على جميع الأشياء المختلفة الشكل وموافقتها لإمساك آلات جميع الصنائع، لكان وجود أفعال اليد عن شكلها وعدد أجزائها ومقدارها هو بالاتفاق، ولكان لا فرق بين أن يُخص الإنسان باليد أو الحافر، وبالجملة متى رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن هناك شيء يُردُّ به على القائلين بالاتفاق، أعني الذين يقولون لا صانع هنا. (مناهج الأدلة، ص 199 - 200).

وحسب رأي أبن رشد أن إنكار الأسباب من قِبل زعيم الأشعرية الغزالي وكذلك بقية المتكلمين من المذهب الأشعري، إنما هو الهروب من القول بفعل القوى الطبيعية في الموجودات، ولئلا يدخل عليهم القول بأن ههنا أساباً فاعلة غير الله. وهيهات! فلا فاعل ههنا إلا الله، وأن ما سواه من الأسباب التي سخرها ليست تسمى فاعلة إلا مجازاً، إذ كان وجودها إما هو به وهو الذي صيرها أسباباً، بل هو الذي يحفظ وجودها في كونها فاعلة، ويحفظ مفعولاتها بعد فعلها، وهو المخترع لجواهر جميع الأشياء التي تقترن بها أسبابها لأنه يعلمها، وعلمه بها هو العلة في وجودها وفي وجود جميع ما يلزم عنها وفي حفظ وجودها في نفسها.

إلا أن إثبات السببية عند أبن رشد قادته إلى إنكار المعجزات والخوارق. فالطبيعة ثابتة "لا يمكن أن تتغير" أبداً. ولكي لا ينقض معجزات الأنبياء في فلق البحر وأحياء الموتى وغيرها، فإنه قسم المعجز إلى نوعين: الأول برّاني يخص الجمهور، الثاني مشترك بين العلماء والجمهور على حد سواء. وهذا الموقف يعتبر تسويق لفكرة وليس غوص في المعرفة.

روحانية النفس

من جملة اعتراضات الغزالي على الفلاسفة هو تأكيدهم على قدرة العقل على إثبات روحانية النفس. حيث أورد لهم عشرة أدلة، دحضها كلها مبيناً عجزهم "عن إقامة البرهان العقلي على أن النفس الإنسانية جوهر روحاني قائم بنفسه، غير متحيز، وليس بجسم". وفند أبن رشد جميع الأدلة التي أوردها الغزالي. وسنذكر منها ثلاثة فقط هي: الأول والخامس والتاسع.

في الدليل الأول يذهب أبن رشد إلى القول أن: كل ما هو في جسم فهو يقبل الانقسام. وإذا صح هذا، فعكس نقيضه صادق، وهو أن ما لا يقبل الانقسام فليس يحل في جسم. وهذا بيّن في أمر المعقولات الكلية، فهي ليست تقبل الانقسام أصلاً. إذ كانت ليست صوراً شخصية، فبين أنه يلزم عنه أن المعقولات ليس محلها جسماً من الأجسام، ولا القوة عليها قوة في جسم، فلزم أن يكون محلها قوة روحانية، تدرك ذاتها وغيرها. (تهافت التهافت، ص 826).

أما الغزالي فقد: أخذ النوع الواحد من نوعي الانقسام، ونفاه عن المعقولات الكلية، عاند بالقسم الثاني الموجود في قوة البصر، وقوة التخيل فاستعمل في ذلك قولاً سفسطائياً. حسب تشخيص أبن رشد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير