قال: قلت: يجوز على معنى، ولا يجوز على معنى، إذا قلت: الرحمن علا من العلو، فقد تم الكلام، ثم قلت: العرش استوى. يجوز إن رفعت العرش، لأنه فاعل، ولكن إذا قلت: له ما في السماوات وما في الأرض، فهو العرش. وهذا كفر.
والثانية: فيما روى أبو الحسن بن مهدي الطبري، عن أبي عبد الله نفطويه قال:
أخبرني أبو سليمان يعني داود قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما معنى قوله: {الرحمن على العرش استوى} فقال: إنه مستو على عرشه كما أخبر. فقال الرجل: إنما معنى قوله {استوى} أي: استولى.
فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان، حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر. اهـ
4 - القول بالكلام النفسي
حكى شيخ الإسلام في التسعينية الموجودة ضمن الفتاوى الكبرى (6/ 627):
أن الإمام العز بن عبد السلام لما قيل له في مسألة القرآن: كيف يعقل شيء واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار؟ قال رحمه الله: ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري. اهـ
ولذلك فقولهم بأن كلام الله شيء واحد قديم، وهو أمر ونهي وخبر الخ تناقض بين.
وقولهم بالكلام النفسي وأنه ليس بحرف وصوت يرد الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة، وغاية آرائهم في هذا الباب فلسفة كلامية أخذت من الخارجين عن الملة ..
فلا عجب أن نرى من يرد عليهم ويسفه مقالتهم منهم أو من غيرهم ..
ابن حجر لا يرضى رأي الأشاعرة في الكلام النفسي
قال ابن حجر في فتح الباري (16/ 225) كتاب التوحيد شرح حديث:
قول الله يا آدم (في رواية التفسير) يقول الله يوم القيامة يا آدم - قوله - فينادي بصوت ان الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. الحديث.
قال: واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أو لا ..
فقالت المعتزلة: لا يكون الكلام الا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة.
وقالت الأشاعرة: كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه.
وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وأنه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه.
وقد قال عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة: سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث بن مسعود وغيره. اهـ
وقال في كتاب التوحيد (16/ 254) أيضا: ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذه المسألة خمسة أقوال: الأول: قول المعتزلة انه مخلوق.
والثاني: قول الكلابية انه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف ولا أصوات والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه.
والثالث: قول السالمية انه حروف وأصوات قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة.
والرابع: قول الكرامية انه محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده.
والخامس: أنه كلام الله غير مخلوق وانه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك احمد في كتاب الرد على الجهمية، وافترق أصحابه فرقتين منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء وأكثرهم قالوا انه متكلم بما شاء متى شاء وانه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل.
¥