والذي استقر عليه قول الأشعرية: أن القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة قال الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر كما تقدم في الجهاد لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهية ان يناله العدو وليس المراد ما في الصدور بل ما في الصحف وأجمع السلف على ان الذي بين الدفتين كلام الله وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة ويطلق ويراد به القراءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك وبسبب ذلك وقع الاختلاف.
واما قولهم انه منزه عن الحروف والأصوات فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة واما الحروف فان كانت حركات ادوات كاللسان والشفتين فهي أعراض وان كانت كتابة فهي أجسام وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال ويلزم من أثبت ذلك ان يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان.
رجوع الايجي والشهرستاني عن القول بالكلام النفسي
قال الجرجاني شارح مواقف الإيجي (3/ 141 - 142): واعلم أن للمصنف مقالة مفردة في تحقيق كلام الله تعالى على وفق ما أشار إليه في خطبة الكتاب ومحصولها أن لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ وأخرى على الأمر القائم بالغير، فالشيخ الأشعري لما قال الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده ..
وأما العبارات فإنما تسمى كلاما مجازا لدلالتها على ما هو كلام حقيقي حتى صرحوا بأن الألفاظ حادثة على مذهبه أيضا لكنها ليست كلامه حقيقة ..
وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة كعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله تعالى حقيقة وكعدم المعارضة والتحدي بكلام الله تعالى الحقيقي وكعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن في الأحكام الدينية فوجب حمل كلام الشيخ على أنه أراد به المعنى الثاني.
فيكون الكلام النفسي عنده أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسن محفوظ في الصدور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة وما يقال من أن الحروف والألفاظ مترتبة متعاقبة فجوابه أن ذلك الترتب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة الآلة فالتلفظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلة
وهذا الذي ذكرناه وإن كان مخالفا لما عليه متأخرو أصحابنا إلا أنه بعد التأمل تعرف حقيقته. تم كلامه .. وهذا المحمل لكلام الشيخ مما اختاره الشيخ محمد الشهرستاني في كتابه المسمى بنهاية الإقدام ولا شبهة في أنه أقرب إلى الأحكام الظاهرية المنسوبة إلى قواعد الملة.
5 - أول واجب على المكلف
مبدأ القصد والنظر اللذان هما عند الأشعرية أول الواجب على المكلف هو من أصول مذهب المعتزلة بقي من جملة ما بقي عند الأشاعرة وقد قرره كبارهم كالباقلاني والرازي والإيجي وغيرهم .. لكن كثير من عقلائهم رد هذا المذهب وشنع على القائلين به ..
قال ابن حجر في فتح الباري (16/ 122):
المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن الطيب وعن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني أول واجب القصد إلى النظر وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة إلى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة ..
السمناني وابن السمعاني وانكار مسألة أول واجب على المكلف
¥