وقال في البرهان في أصول الفقه (1/ 388): أطلق الفقهاء القول بأن خر الواحد لا يوجب العلم ويوجب العمل وهذا تساهل منهم والمقطوع به أنه لا يوجب العلم ولا العمل فإنه لو ثبت وجوب العمل مقطوعا به لثبت العلم بوجوب العمل وهذا يؤدي إلى إفضائه إلى نوع من العلم وذلك بعيد.اهـ
وهذا رد صريح منه لخبر الآحاد وأنه لا يفيد علما ولا عملا بخلاف قوله في الورقات ..
ومرة يرجح الوقف فيقول (1/ 388):
ثم افترق نفاة العمل بخبر الواحد فذهب بعضهم إلى أن العقل يحيل التعبد بالعمل به وذهب الأكثرون إلى أنه لا يستحيل ورود الشرع به وهو من تجويزات العقل ثم افترق هؤلاء من وجه اخر فذهب ذاهبون إلى أن في الشرع ما يمنع التعلق به وقال اخرون لم تقم دلالة قاطعة على العمل به فتعين الوقف. اهـ
ثم يأتي لاإثبات حجيته والإجماع عليه فقال أبو المعالي الجويني في البرهان (1/ 388 - 389):
والمختار عندنا مسلكان أحدهما يستند إلى أمر متواتر لا يتمارى فيه إلا جاحد ولا يدرؤه إلا معاند وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول عليه السلام كان يرسل الرسل ويحملهم تبليغ الأحكام وتفاصيل الحلال والحرام وربما كان يصحبهم الكتب وكان نقلهم أوامر رسول الله عليه السلام على سبيل الآحاد ولم تكن العصمة لازمة لهم فكان خبرهم في مظنة الظنون وجرى هذا مقطوعا به متواترا لا اندفاع له إلا بدفع التواتر ولا يدفع المتواتر إلا مباهت فهذا أحد المسلكين.
والمسلك الثاني مستند إلى إجماع الصحابة وإجماعهم على العمل بأخبار الاحاد منقول متواترا فإنا لا نستريب أنهم في الوقائع كانوا يبغون الأحكام من كتاب الله تعالى فإن لم يجدوا للمطلوب ذكرا مالوا إلى البحث عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ... اهـ
وبعد اعترافه بهذا يعود متخبطا سابا أهل السنة بالحشوية فقال (1/ 392):
ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم وهذا خزى لا يخفى مدركه على ذي لب. اهـ
فأي تخبط هذا؟
قال أبو المظفر السمعاني الشافعي في رسالته الإنتصار لأصحاب الحديث (1/ 34):
إن الخبر إذا صح عن رسول الله ورواه الثقات والأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم، هذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولابد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول.
ولو أنصفت الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد.
ترى أصحاب القدر يستدلون بقول النبي كل مولود يولد على الفطرة وبقوله خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم.
وترى أهل الإرجاء يستدلون بقوله من قال لا إله إلا الله دخل الجنة قالوا وإن زنى وإن سرق قال نعم وإن زنى وإن سرق. اهـ
فماذا ننتظر بعد ذلك إلا تسفيه الصحابة وتكذيبهم فيما نقلوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم؟
قال إمامهم الرازي في أساس التقديس [ص216]: إن أجلّ طبقات الرواة قدراً وهم الصحابة. ثم إنا نعلم أن رواياتهم لا تفيد القطع واليقين.
ولو أنصف الأشاعرة لاتبعوا إمامهم الشافعي الذي أكد: أن أهل السنة قد تلقوا خبر الواحد العدل بالقبول، كما في الرسالة [ص 453 - 457 تحقيق أحمد شاكر].
وقد ناظر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن عليَّة أحد كبار الجهمية في حجية خبر الآحاد وهزمه شر هزيمة ..
فيظهر تناقض الأشعرية من اتباعهم للمعتزلة الذين قالوا: إن أخبار الآحاد لا يجوز قبولها في توحيد الله وعدله، ثم تأتي الأشعرية بتعديل متناقض حيث حرّموا الأخذ بخبر الواحد في العقائد وأحلّوه في الأحكام ومسائل الحلال والحرام.
قال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق [ص 164]:
وكان الخياطي [وهو أبو الحسين الخياط] منكر الحجة في أخبار الآحاد، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة فإن أكثر فروض الفقه مبنية على أخبار من أخبار الآحاد.
¥