" قد انتفع به خلقٌ، وجَهِلَ آخرون، فإن طائفةً من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في " منازل السائرين"، وينتحلونه، ويزعمون أنه مُوافقهم. كلا، بل هو رجل أثريٌّ، لَهِجٌ بإثبات نصوص الصفات، مُنافِرٌ للكلام وأهله جداً (2)، وفي " منازله " (3) إشاراتٌ إلى المحو والفناء، وإنما مُرادُه بذلك الفناء الغَيْبَةُ عن شهود السِّوي، ولم يُرِدْ مَحْوَ السِّوي في الخارج، وياليته لا صنَّف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطراتِ والوساوِسِ، بل عبدوا الله، وذلُّوا له وتوكَّلوا عليه، وهم من خشيته مُشفقون، ولأعدائه مُجاهدون، وفي الطاعة مُسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
* تجد في الكتاب مصطلحات صوفية كالطريقة، والأذواق والمواجيد (3/ 13).
* قال: (والمستحب): النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيماناً وعلماً. والنظر في المصحف، ووجوه العلماء الصالحين والوالدين، والنظر في آيات الله المشهودة، ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته. (1/ 114).
علق عليه الأستاذ العلامة محمد الفقي فقال: النظر والتأمل في آيات الله الكونية أوجب الواجبات، فإنه قد ورد الأمر المشدد به في القرآن كثيراً جداً وجاء التوعد الشديد لمن عمي وغفل عن آيات الله الكونية، فإن العمى عنها مؤد ولا بد إلى التكذيب بآيات الله في الأنفس والآفاق، ثم يثمر ذلك اتخاذ الآلهة من الموتى وعبادتهم من دون الله، والأرباب من المشايخ وغيرهم يشرعون من الدين مالم يأذن به الله ومن المحال أن يكون إيماناً بالله وكتابه ورسوله إلا ثمرة التفكر في آيات الله في الأنفس وفي الآفاق، أما النظر إلى المصحف ووجوه العلماء فلا أدري من أين جاء استحبابه؟ اللهم إلا إذا كان على أنه من سنن الله وآياته فيكون للاعتبار.
* قال الدرجة الثالثة: " بصيرة تُفَجِّر المعرفة، وتثبت الإشارة، وتنبت الفراسة "
يريد بالبصيرة في الكشف والعيان: أن تتفجر بها ينابيع المعارف من القلب، ولم يقل " تُفجِّر العلم " لأن المعرفة أخص من العلم عند القوم. ونسبتها إلى العلم نسبة الروح إلى الجسد. فهي روح العلم ولُبّه.
وصدق ـ رحمه الله ـ فإن بهذه البصيرة تتفجر من قلب صاحبها ينابيع من المعارف التي لا تنال بكسب ولا دراسة. إن هو إلا فهم يُؤتيه الله عبداً في كتابه ودينه، على قدر بصيرة قلبه. (1/ 124).
علق عليه الأستاذ عِماد عَامِر فقال: وهل يؤتى العبد الفهم على جهل بغير مجاهدة في التعليم والتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [العنكبوت: 69].
* الرجاء من الإخوة الكرام الرجوع إلى صفحة 140 فما فوق فيما يتعلق بالفناء فإنه طويل وليس لي قدرة حين كتابة هذه السطور على نقله بتمامه وإنما أنقل بعضه:
" وأما الفناء عن شهود السوى: فهو الفناء الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين. ويعدونه غاية. وهو الذي بنى عليه أبة إسماعيل الأنصاري كتابه: وجعله الدرجة الثالثة في كل باب من أبوابه.
وليس مرادهم فناء وجود ما سِوى الله في الخارج، بل فناؤه عن شهودهم وحسهم فحقيقته: غيبة أحدهم عن سوى مشهوده. بل غيبته أيضاً عن شهوده ونفسه. لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته، وبمذكره عن ذكره، وبموجوده عن وجوده، وبمحبوبه عن حبه، وبمشهوده عن شهوده.
وقد يسمى حال مثل هذا سُكراً، واصطلاماً، ومحواً، وجمعاً. وقد يفرقون بين معاني هذه الأسماء. وقد يغلب شهود القلب بمحبوبه حتى يغيب به ويفنى به. فيظن أنه أتحد به وامتزج، بل يظن أنه هو نفسه. كما يحكى أن رجلاً ألقى محبوبُه نفسه في الماء. فألقى المحب نفسه وراءه. فقال له: مالذي أوقعك في الماء؟ فقال: غبتُ بك عَنِّى فظننتُ أنك أني.
¥