تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والسنة كان من معه دليل الكتاب والسنة هو الذي أصاب الحق ووافقه وإن كان واحداً والذي لم يكن معه دليل الكتاب هو الذي لم يصب الحق بل أخطأه وإن كان عدداً كثيراً فليس لعالم ولا لمتعلم ولا لمن يفهم وإن كان مقصراً أن بقول: الحق بيد من يقتدي به من العلماء وإن كان دليل الكتاب والسنة بيد غيره فإن ذلك جهل عظيم وتعصب شديد وخروج من دائرة الانصاف بالمرة؛ لأن الحق لا يعرف بالرجال بل الرجال يعرفون بالحق وليس أحد من العلماء المجتهدين والأئمة المحققين بمعصوم ومن لم يكن معصوماً فهو يجوز عليه الخطأ كما يجوز عليه الصواب فيصيب تارة ويخطىء أخرى ولا يتبين صوابه من خطئه إلا بالرجوع إلى دليل الكتاب والسنة فإن وافقهما فهو مصيب وإن خالفهما فهو مخطىء. فهذا هو الميزان الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه طالب الحق في معرفة المخطىء من العلماء ومن زعم أن هناك طريقاً آخر غير هذا الطريق عند التنازع في مسألة من المسائل فهو مخالف لما في كتاب الله ومخالف لإجماع المسلمين، قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فَرُدُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) وقال تعالى: (ومن يُشاقق الرسول من بعد ما تبين لَهُ الهدى ويتبع غير سبيل

المؤمنين نُوله ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وسآءَت مصيراً).

قال أبو عبدالرحمن: وأقصد من كلامي هذا أن هذه المسألة التي شغب فيها على الإمام داود بن علي ـ رحمه الله ـ هي من المسائل الخلافية التي يتسع فيها صدر المخالف لمن خالفه ولا تستلزم التشنيع والتهويش والتشهير والتحقير والاتهام بقلة الفقه والفهم، لا سيما والإمام داود مسبوق بجلّة من العلماء. فعلى هذا الخلاف في هذه المسألة خلاف سائق لا يوجب التشنيع وتفرق القلوب وتختلف من أجل ذلك، فإن الصحابة الكرام حصل بينهم خلاف في الاجتهاد في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم يحصل بينهم اختلاف في القلوب أو تفرق أو تشنيع أو غير ذلك من الألفاظ النابية فليكن لنا فيهم أسوة فإن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها.

وهذا إمام الدنيا ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ لم يجد ما يؤيد صحة اختياره إلا ما رواه بسنده عن مجالد، عن الشعبي، عن عديّ بن حاتم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي، فقال: " ما أمسك عليك فكل "، قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل مجالد ـ وهو ابن سعيد ـ ليس بالقوي، فلا يحتج به؛ ولا سيما عند المخالفة كما هنا؛ فإنه تفرد بذكر (الباز) دون الثقات الذين شاركوه في أصل الحديث عن الشعبي، فهي زيادة منكرة. وبذلك أعلها البيهقي، بقوله: " ذكر الباز في هذه الرواية لم يأت به الحفاظ الذين قَدَّمنا ذكرهم عن الشعبي، وإنما أتى به مجالد ".

ومع هذا أقول: لقد قلبت كتب التفسير والأحكام والفقه والشروح ـ ما استطعت إلا ذلك سبيل ـ فلم أجد من عزى هذا القول للإمام داود بن علي الظاهري ـ رحمه الله ـ بل رجعت إلى بعض الكتب المطبوعة التي جمعت فقه الإمام داود ولم يعزون إليه هذا القول، لذا فأنا في شك من صحة نسبته إلى الإمام داود. وإن صح فلا ينقص ذلك من قدره وعلمه وإمامته رحمه الله تعالى ورضي عنه، بل هو مسبوق بالصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما وغيره كما تقدم.

* حول هذه المسألة انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 15ـ 16، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6/ 65ـ 67، الأطعمه وأحكام الصيد والذّبَائح للفوزان: ص 178ـ 179.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أبو داود (3/ 271) رقم (2851) ومن طريقه البيهقي (9/ 238)، والترمذي (4/ 66) رقم (1467)، وأحمد (4/ 257) جميعاً من طريق مجالد، عن الشعبي عن عدي بن حاتم به. البعض مطولاً والبعض مختصر.

وهذا إسناد ضعيف، فإن مجالد ـ وهو ابن سعيد الهمداني الكوفي ـ ضعيف لسوء حفظه، مع تفرده بذكر (الباز) دون كل الثقات الذين شاركوه في أصل الحديث عن الشعبي.

انظر صحيح سنن أبي داود (8/ 206 ـ 207).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير