تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو محمد: أما الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكما قالوا إلا أن الآية أعم من تلك الأحاديث لقوله تعالى: (مِنَ الجَوَارِحِ) فعم كل جارح، وهذا لا يجوز تركه لخبر فيه بعض ما في الآية، وأما قوله تعالى: (مُكَلِّبِين) فليس فيه دليل على أنه لا يؤكل ما قتله غير الكلب من الصيد أصلا لا بنص ولا بدليل بل فيه بيان بأن صيد غير الكلاب جائز بقوله تعالى: (مُكَلِّبِين) لأنها لا تحتمل هذه اللفظة البتة إلا أن يجعلها في حال الكلاب فصح أنها غير الكلاب أيضاً.

وأما قولهم: أن ما عدا الكلاب لا يقبل التعليم المذكور أصلا فالواجب أن ينظر في ذلك فإن وجد منها نوع يقبل التعليم فلا ينطلق حتى يطلقه صاحبه وإذا صاد لم يأكل فهو معلم يؤكل ما قتل وإن لم يوجد ذلك أصلا فلا يجوز أكل شيء مما قتلت إلا ما أدركت ذكاته وهو حي بعد، وبالله تعالى التوفيق ".

وقال الإمام أبو بكر الجصاص في " أحكام القرآن " (2/ 395):

" فتأول بعضهم قوله: (مُكَلِّبِينَ) على الكلاب خاصة، وتأوله بعضهم على الكلاب وغيرها؛ ومعلوم قوله تعالى: (وَمَا عِلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ) شامل للطير والكلاب، ثم قوله: (مُكَلِّبِينَ) محتمل لأن يريد به الكلاب ويحتمل أن يريد به جميع ما تقدم ذكره من الجوارح والكلاب منها، ويكون قوله: (مُكَلِّبِينَ) بمعنى مؤدِّبين أو مضرّين، ولا يخصص ذلك بالكلاب دون غيرها؛ فوجب حمله على العموم وأن لا يخصص بالاحتمال ".

وقال الإمام شمس الدّين بن قدامة المقدسي ـ رحمه الله ـ في " الشرح الكبير " (11/ 31ـ 32):

" فصل: وكل ما يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم كالفهد وجوارح الطير فحكمه حكم الكلب في إباحة صيده قال ابن عباس في قوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) هي الكلاب المعلمة وكل طير تعلم الصيد والفهود والصقور واشباهها وبمعنى ذلك قال طاوس ويحيى بن أبي كثير والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وأبو ثور وحكي عن ابن عمر ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكلب لقول الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) يعني علمتم من الكلاب.

ولنا ما روي عن عدي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: " إذا أمسك عليك فكل " ولأنه جارح يصاد به عادة ويقبل التعليم فاشبه الكلب، فأما الآية فإن الجوارح الكواسب قال الله تعالى: (ويعلم ما جرحتم) أي كسبتم وفلان جارحة أهله أي كاسبهم (مكلبين) من التكليب وهو الاغراء ".

قال مبارك: إذن هذه المسألة وهي (هل يباح الاصطياد بغير الكلاب أم لا؟!) مما اختلف فيه العلماء على قولين، وممن يقول بالاقتصار على الكلاب دون غيرها جلّة من العلماء في طليعتهم الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. فأصبحت المسألة إذن خلافية وإذا كان الامر كذلك فليس لأحد أن يقول الحق ما قاله فلان دون فلان أو فلان أولى بالحق من فلان أو الحق مع الأكثر دون الأقل بل الواجب في هذه الحالة الرد إلى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم فمن كان دليل الكتاب والسنة معه فهو الحق وهو الأولى بالحق، ومن كان دليل الكتاب والسنة عليه لا له كان المخطىء ولا ذنب عليه في هذا الخطأ إن كان وفى الاجتهاد حقه بل هو معذور بل مأجور كما جاء في الحديث الصحيح: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " فناهيك بخطأ يؤجر عليه فاعله، ولكن هذا إنما هو المجتهد نفسه إذا أخطأ لا يجوز لغيره أن يتبعه في خطئه ولا يعذر كعذره ولا يؤجر كأجره بل واجب على من عداه من المكلفين أن يترك الاقتداء به في الخطأ ويرجع إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإذا وقع الرد لما اختلف فيه أهل العلم إلى الكتاب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير