تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانتهى عصر أئمة السنن الأربع، وآخرهم النسائي «303 هـ» ثم انتهى القرن الرابع الهجري، ظهر جماعة من الأئمة المحدثين الكبار المكثرين، أمثال: أبي يعلى في مسنده «ت307 هـ» وأبي بكر بن خزيمة في صحيحه «ت 311 هـ» وأبي جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار «ت321 هـ» وأبي حاتم ابن حبان في صحيحه «ت354 هـ» وأبي القاسم الطبراني في معاجمه الثلاثة «ت360» وأبي الحسن الدارقطني في سننه «ت 385» وأبي عبد الله الحاكم في مستدركه «ت 404» ولم يرو واحد من هؤلاء أية أحاديث في تنصيف دية المرأة.

ثم جاء الحافظ الكبير الإمام البيهقي «458 هـ» ليروي لنا في «سننه الكبرى» حديثا عن معاذ بن جبل عن النبي [قال: «دية المرأة على النصف من دية الرجل» رواه البيهقي من طريق عبادة بن نسّي، قال: وفيه ضعف، وفي الباب التالي: أشار إلى إسناد هذا الحديث، وقال: لا يثبت مثله.

هذا ما ثبت في الحديث المرفوع عن دية المرأة خاصة، أعني: دية النفس.

نظرة في الإجماع

وإذا لم نجد في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية: نصا ثابتا يدل على هذا الحكم: أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، فهل يمكن الاعتماد على المصدر الثالث في ذلك، وهو الإجماع؟

ولا نريد أن نناقش هنا قضية الإجماع وما فيها من كلام كثير عند الأصوليين: في إمكانه، وفي وقوعه بالفعل، وفي العلم به إذا وقع، وفي حجيته بعد التأكد من وقوعه. وقد ذكر ذلك الغزالي في «المستصفى» والآمدي في «الإحكام».

وقد قال الإمام أحمد: من ادعى الإجماع فقد كذب: ما يدريه: لعل الناس اختلفوا، وهو لا يعلم. فإن كان ولابد، فليقل: لا أعلم الناس اختلفوا.

ومن تأمل ما كتبه الإمام الشوكاني عن «الإجماع» في «إرشاد الفحول»: وجد أنه يميل مع المخالفين في إثباته أكثر من ميله مع الموافقين، انظر ما قاله في إمكان العلم به إذا وقع. قال: فإذن العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد منهم، وذلك متعذر قطعا، ومن ذاك الذي يعرف جميع المجتهدين من الأمة في الشرق والغرب، وسائر البلاد الإسلامية؟ فإن العمر يفنى دون مجرد البلوغ إلى كل مكان من الأمكنة التي يسكنها أهل العلم، فضلا عن اختبار أحوالهم، ومعرفة من هو من أهل الإجماع منهم، ومن لم يكن من أهله، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به، والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد، بحيث لا يخفى على الناقل فرد من أفرادهم، فإن ذلك قد يخفى على الباحث في المدينة الواحدة، فضلا عن الإقليم الواحد، فضلا عن جميع الأقاليم التي فيها أهل الإسلام. ومن أنصف من نفسه علم أنه لا علم عند علماء الشرق بجملة علماء الغرب والعكس، فضلا عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل، وبكيفية مذهبه، وبما يقوله في تلك المسألة بعينها.

وأيضا قد يحمل بعض من يعتبر في الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف التقية والخوف على نفسه، كما أن ذلك معلوم في كل طائفة من طوائف أهل الإسلام، فإنهم قد يعتقدون شيئا إذا خالفهم فيه مخالف خشى على نفسه من مضرتهم.

على ذلك:

هذا ما استند إليه العلامة ابن قدامة الحنبلي في كتابه (المغني) فقال: قال ابن عبد البر، وابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة المسلمة: نصف دية الرجل.

قال: وحكى غيرهما عن ابن عُليه 13 «ت193 هـ» والأصم «ت 201 هـ» أنهما قالا: ديتها كدية الرجل؛ لقوله عليه السلام: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل».

قال ابن قدامة: وهذا قول شاذ، يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي [. فإن في كتاب عمرو بن حزم: «دية المرأة على النصف من دية الرجل». وهو أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا: مفسرا لما ذكروه، مخصصا له. انتهى.

ولا يمكن أن يثبت الإجماع، وقد خالف فيه هذان الإمامان، وإنما خالفا الجمهور في ذلك؛ لأنه لم يثبت لديهما دليل على التمييز بين الذكر والأنثى.

وقول ابن قدامة: هذا قول شاذ: مردود، إذ لا وجه لوصفه بالشذوذ، فكثيرا ما ينفرد الإمام الواحد عن جمهور الأمة بالقول المخالف ولا يوصف بالشذوذ، وهذا مروي كثيرا عن فقهاء الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ومن المعروف: أن الإمام أحمد له (مفردات) في سائر أبواب الفقه قد انفرد بها عن الأئمة الآخرين، ونظمها بعض الحنابلة في كتاب معروف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير