ونقول: إن الأصوليين قد بحثوا هذه المسألة، واتفقوا على أن من كانت بدعته تقتضي تكفيره لا يعتبر في الإجماع بلا خلاف، لعدم دخوله في الأمة المشهود لها بالعصمة.
وأما إذا اعتقد ما لا يقتضي التكفير بل التضليل والتبديع، فاختلفوا فيه على أقوال، ذكرها الشوكاني:
الأول: اعتبار قوله في الإجماع لكونه من أهل الحل والعقد. قال الصفي الهندي: وهو الصحيح.
الثاني: لا يعتبر كما هو رأي الأستاذ «أبي منصور» وغيره، وحكاه أبو ثور عن أئمة الحديث.
ع وغيرها من شؤون النساء.
وكذلك شهادات النساء وحدهن في باب الجنايات من بعضهن على بعض في المجتمعات التي لا يحضرها الرجال عادة، مثل الأعراس والحمامات، فيشهدن بما رأين، ولا يهدر القضاء شهادتين، حتى لا تضيع الحقوق.
نظرة في أقوال الصحابة
بقى أن ننظر إلى ما جاء عن الصحابة في المسألة، وهنا يحق لنا أن نسأل: هل يعتبر قول الصحابي حجة أم لا؟
نظرة في الحكمة والمصلحة
وإذا نظرنا إلى دليل المصلحة التي يتوخاها الشرع في أحكامه جميعا، ولا سيما أحكام المعاملات، وإلى الحكمة المقصودة من وراء جعل دية المرأة على النصف من دية الرجل: وجدنا من الفقهاء من يقول: إن المنفعة التي تفوت بقتل الرجل أكبر من المنفعة التي تفوت بقتل المرأة؛ لأن الرجل هو الكاسب والكادح، وهو الذي يعول الأسرة، وينفق عليها، فالخسارة بموته أكبر من خسارة المرأة.
وأذكر في ذلك واقعة حدثت منذ بضعة عشر عاما، في عمان عاصمة الأردن، وكنا مجموعة من العلماء منهم: الشيخ محمد الغزالي، والشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ محمد المبارك، ود. معروف الدواليبي، والأستاذ عمر الأميري، والفقير إلى الله تعالى، وقد دار نقاش حول ما أثاره الشيخ الغزالي في كتابه «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» الذي أحدث ضجة كبرى في الأوساط الدينية، وخصوصا السلفية. ومن ذلك ما اختاره في موضوع دية المرأة وأنها مثل دية الرجل، وقد توليت الدفاع عن شيخنا الغزالي في هذا الموقف وأن القول بتنصيف ديتها ليس عليه دليل من كتاب أو سنة أو إجماع.
وكان العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا يتبنى وجهة نظر الفقه التقليدي في ذلك. وقد أيدها بأن الفقهاء راعوا اعتبارا مهما في الأخذ بتنصيف دية المرأة، وهو أن العائلة بفقد الرجل ينهد ركنها، وتفقد عائلها، بخلاف فقد المرأة التي تعال ولا تعول.
الأمي قتلت: أتكون نصف الرجل؟ أم تكون لها دية كاملة؟
وقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» قال العلماء: أي يتساوى دماؤهم في القصاص والحرمات، لا بفضل شريف على وضيع. وذلك لأنهم سواء في المكانة، وفي الحرمة والتحريم والحقوق، ومقتضى هذا ألا نفرق هنا بين ذكر وأنثى، فليس دم المرأة أرخص من دم الرجل، حتى تكون عقوبة الاعتداء عليها أقل من عقوبة الاعتداء على الرجل، ولو صح ذلك لم يكن هذا الحديث صحيح المعنى؛ لأن دماء المسلمين في هذه الحالة غير متكافئة ولا متساوية.
علماء العصر ودية المرأة
أحسب أنه قد تبين لنا من خلال مناقشاتنا السابقة لمسألة دية المرأة أهي مثل دية الرجل، أم على النصف منها كما هو المشهور في مذاهب الفقه الإسلامي أن هذا الرأي المشهور الذي أخذ به الجمهور لا يستند إلى نص من القرآن الكريم، ولا من السنة النبوية، ولا من إجماع متيقن، ولا من قياس مسلّم، ولا من مصلحة معتبرة. وبقيت معنا الآية الكريمة من سورة النساء: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} «النساء: 92». وهو عام في قتل كل إنسان مؤمن، رجلاً أو امرأة، وكذلك الأحاديث التي ذكرت أن في النفس مائة من الإبل، وبقى كذلك أن وجهة الشريعة في عقوبة القتل أنها تنظر إلى «النفس الإنسانية» والعدوان عليها، عمداً أو خطأ، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى التي تميز بين الناس بعضهم وبعض. ولهذا كان القصاص من قاتل المرأة كالقصاص من قاتل الرجل، ولا فرق.
وهذا ما اتجه إليه كثير من علماء عصرنا، الذين لهم بصر بالنصوص، وبصر بالمقاصد، وبصر بالعصر.
رأي الشيخ رشيد رضا في المنار
¥