وأولهم العلامة السيد محمد رشيد رضا، الذي قال في تفسيره عندما تعرض لآية قتل الخطأ؛ وتعرض لرأي الفقهاء في دية المرأة، وأنها مثل دية الرجل، والأصل في ذلك أن المنفعة التي تفوت أهل الرجل بفقده أكبر من المنفعة التي تفوت بفقد الأنثى، فقدرت بحسب الإرث. قال الشيخ رشيد: وظاهر هذه الآية: أنه لا فرق بين الذكر والأنثى 36.
اختيار الشيخ شلتوت
وعرض لذلك الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة» فقال رحمه الله تحت عنوان «دية الرجل و المرأة سواء»: «وإذا كانت إنسانية المرأة من إنسانية الرجل، ودمها من دمه، والرجل من المرأة والمرأة من الرجل، وكان «القصاص» هو الحكم بينهما في الاعتداء على النفس، وكانت جهنم والخلود فيها، وغضب الله ولعنته، هو الجزاء الأخروي في قتل المرأة، كما هو الجزاء الأخروي في قتل الرجل، فإن الآية في قتل المرأة خطأ، هي الآية في قتل الرجل خطأ.
ونحن ما دمنا نستقي الأحكام أولاً من القرآن، فعبارة القرآن في الدية عامة مطلقة لم تخص الرجل بشيء منها عن المرأة: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} «النساء:92»، وهو واضح في أنه لا فرق في وجوب الدية بالقتل بين الذكر والأنثى.
نعم ... اختلف العلماء في مقدار الدية، أهو واحد في الرجل والمرأة، أو ديتها على النصف من دية الرجل؟
وقد ذكر الإمام الرازي الرأيين في «تفسيره الكبير» فقال: مذهب أكثر الفقهاء أن دية المرأة نصف دية الرجل، وقال الأصم وابن عُلية: ديتها مثل دية الرجل.
وحجة الأكثر من الفقهاء أن علياً، وعمر، وابن مسعود، قضوا بذلك، وأن المرأة في الميراث والشهادة على النصف من الرجل فيهما، فكذلك تكون على النصف من الدية.
وحجة الأصم قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}.
وأجمعوا على أن هذه الآية دخل فيها حكم الرجل والمرأة، فوجب أن يكون الحكم فيها ثابتاً بالسوية.37
ترجيح الشيخ أبي زهرة
وأيد هذا الرأي العلامة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي ـ العقوبة» تحت عنوان «دية المرأة» قال: «يقول ابن قدامة في المغني ما نصه: قال ابن المنذر و ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل. وحكى غيرهما عن ابن عُلية و الأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل، لقوله عليه السلام «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في كتاب عمرو بن حزم «دية المرأة على النصف من دية الرجل» وهي أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا مفسراً لما ذكروه مخصصاً له.
هذا نص ما قاله صاحب المغني، وقد ادعى فيه الإجماع، وقال صاحب البدائع في معنى هذا الإجماع: إن آراء الصحابة أعلنت من بعضهم، ولم ينكر سائرهم، فكان إجماعاً سكوتياً، وقد أنكر كثيرون حجية الإجماع السكوتي، وقد زكى ذلك النظر بدليلين آخرين:
أحدهما: أن المرأة في الميراث تأخذ نصف ميراث الرجل، فتكون في الناحية المالية مقدرة في التعويض بنصف دية الرجل.
ثانيهما: أن الدية تعويض عن المفقود، وتقويم لما نقص المجتمع بفقده، وذلك يقتضي أن يكون تعويض فقد المرأة أقل من تعويض الرجل، لأن منافع المرأة دون منافع الرجل، وتقدير هذا التعويض يكون بتقدير الميراث، وهو أن تكون على النصف.
ونرى من هذا النظر أنه نظر إلى المالية، ولم ينظر إلى الآدمية، وإلى جانب الزجر للجاني، والحقيقة أن النظر في العقوبة إلى قوة الإجرام في نفس المجرم، ومعنى الاعتداء على النفس الإنسانية، وهي قدر مشترك عند الجميع لا يختلف باختلاف النوع، فالدية في حد ذاتها عقوبة للجاني، وتعويض لأولياء المجني عليه أو له هو ذاته إذا كان ذلك في الأطراف، وعلى ذلك ينبغي أن تكون دية المرأة كدية الرجل على سواء، إذ هي عقوبة الدماء، ولأن المعتدي بقتل امرأة كالمعتدي بقتل رجل على سواء.
ولذلك ترجح كلام عامة، وهي «مائة إبل». انتهى38.
رأي الشيخ الغزالي
¥