وهذا الرأي: أن دية المرأة مساوية لدية الرجل، هو الذي أبداه الداعية الإسلامي الكبير: الشيخ محمد الغزالي في كتابه: «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» حيث قال: فالدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص، وحقها أهون: زعم كاذب مخالف لظاهر الكتاب 39.
رأينا الذي اخترناه
وهو الرأي الذي اخترناه، ودافعنا عنه في كتابنا «مركز المرأة في الحياة الإسلامية» وفي كتابنا «الشيخ الغزالي كما عرفته» حيث شددت أزره في رأيه الذي تبناه، ودافعت عنه من منطلق حديثي وفقهي.
وهو ما جليته وألقيت عليه أضواء كاشفة في هذا البحث، وأعتقد أن من قرأه بإنصاف وتأمل، وقارن بين الأقوال بعضها وبعض، ورد الفروع إلى أصولها، وبحث الأمور من جذورها، سينشرح صدره لما وصلت إليه.
وفي ذلك إنصاف للمرأة، وتكريم لها، واعتبار لإنسانيتها، وهو يتفق مع النظرة الإسلامية العامة للمرأة: فقد كرمها الإسلام إنسانا، وكرمها أنثى، وكرمها بنتا، وكرمها زوجة، وكرمها أما، وكرمها عضوا في المجتمع. وهو يتفق كثيرا، مع توجهات العصر، التي تعظم شأن المرأة، وتمنحها 195»، ومعنى «بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» أن المرأة من الرجل، والرجل من المرأة، هي تكمله وهو يكملها، لا يستغني عنها ولا تستغني عنه. وذلك غاية التكريم.
لماذا لم يظهر اجتهاد جديد خلال القرون الماضية حول دية المرأة؟
وقد تساءلت في نفسي: إذا كان هذا الحكم الذي ذاع واشتهر ـ وهو تنصيف دية المرأة ـ لا يستند إلى دليل معتمد من قرآن أو سنة إجماع أو قياس، أو قول صاحب، أو مصلحة معتبرة، فكيف سكت عنه علماء الأمة طوال اثني عشر قرناً، ولم يبرز عالم بعد ابن علية والأصم، ينقد هذا الرأي ويدعو إلى اجتهاد جديد فيه، ينصف المرأة ويعطيها حقها، كما أعطاها في القصاص مثل الرجل سواء؟!!
كما وجدنا من العلماء من نفذ وقوع طلاق الثلاث بلفظ واحد: ثلاثا، وهو ما استقر عليه العمل طيلة قرون، قبل ظهور شيخ الإسلام ابن تيمية، باجتهاده الجديد، الذي خالف فيه من تقدمه من علماء الأمة، حتى علماء مذهبه الحنبلي، وأنكر وقوع الإجماع قبله على ذلك؟
لماذا لم يظهر مثل هذا الاجتهاد في قضية تنصيف دية المرأة؟
والذي تبين لي أن القضية لم تلح على العقل المسلم، وتدفعه إلى البحث فيها من جذورها، ومناقشة أدلتها. لأنها ـ بحكم الواقع ـ حادثة نادرة الوقوع.
ذلك أن الدية تجب في حالتين:
1 - حالة مجمع عليها، وهي القتل الخطأ.
2 - وحالة مختلف فيها، وهي شبه العمد.
وحالة القتل الخطأ بالنسبة للمرأة نادرة الوقوع. ربما تمر السنون ولا تقتل امرأة خطأ، لعدم وجود ظروف وأسباب تعرضها لذلك.
بخلاف عصرنا الذي كثرت فيه حوادث السيارات ونحوها، مما يسبب قتل الكثيرين والكثيرات، على سبيل الخطأ، وهنا تجب الدية والكفارة.
وحالة شبه العمد: تتمثل في الشجار الذي يقع بين الأفراد أو بين العوائل والقبائل، ويتضاربون بالعصيّ الغليظة ونحوها من المثقّلات وليس بالسيوف والرماح، وهذا يقع عادة بين الرجال بعضهم وبعض. أما المرأة: فالغالب أنها إذا تشاجرت مع المرأة أن تشدها من شعرها، أو تعضها بأسنانها، أو تمزق ثيابها ونحو ذلك.
وإنما يحفز العلماء على الاجتهاد كثرة وقوع الأمر، كما حفز شيخ الإسلام ابن تيمية كثرة وقوع الطلاق ـ وخصوصاً الطلاق بالثلاث ـ وانهيار الأسرة المسلمة، ولجوء الناس إلى «المحلل» وغير ذلك ـ إلى الاجتهاد للخروج من هذه الأزمة في ظل الشريعة الإسلامية، برفض إيقاع هذه الطلاقات التي أوقعت الناس في الضيق.
شهر سيف الإجماع وخطورته على الاجتهاد
وأود أن أذكر هنا للاخوة الذين يدافعون بحرارة عن الإجماع في قضية تنصيف دية المرأة ويشهرون هذا السيف في وجه الذين ينادون بالتسوية على ما يقتضيه ظاهر القرآن الكريم والسنة المطهرة: إن هذا السيف نفسه هو الذي شهره رجال المذاهب المتبوعة في وجه ابن تيمية ومدرسته، حين جدد الاجتهاد في مسائل الطلاق، التي كانت توقعها تلك المذاهب، ويفتي بها عامة العلماء: أنها واقعة لا محالة. مثل إيقاع طلاق الثلاث بلفظة واحدة، فتبين بها المرأة بينونة كبرى. ومثل ذلك الحلف بالطلاق، والطلاق المعلق، وكذلك الطلاق البدعي «طلاق الحائض ونحوها» فقد قال ابن تيمية بعدم وقوع الطلاق في ذلك كله، مخالفا مذهبه والمذاهب الأربعة وغيرها. وقد اتهم ابن تيمية من علماء زمنه بأنه خرق الإجماع الذي استمر عليه العمل ستة قرون قبله، ونال العلماء منه، وجرحوه، وعرضوه للمحاكمة، ودانوه، وأدخل السجن ... إلى آخر ما هو معروف في سيرة ابن تيمية.
انظر ما قاله الحافظ ابن حجر في «الفتح» في قضية الطلاق البدعي، أو طلاق الحائض، في شرح حديث ابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض، وما فيه من كلام. قال: قال النووي: شذ بعض أهل الظاهر، فقال: إذا طلق الحائض لم يقع الطلاق؛ لأنه غير مأذون فيه، فأشبه طلاق الأجنبية. وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض.
وقال ابن عبد البر: لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال. يعني الآن.
قال: وروي مثله عن بعض التابعين، وهو شذوذ. وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن علية. يعني: إبراهيم بن إسماعيل بن علية، الذي قال فيه الشافعي في حقه: إبراهيم ضالّ؛ جلس في باب الضوّال «موضع كان بجامع مصر» يضل الناس! وكان بمصر. وله مسائل ينفرد بها، وكان من فقهاء المعتزلة، وقد غلط من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه. وحاشاه. فإنه من كبار أهل السنة. انتهى ما نقله ابن حجر عن النووي 40. والذي يظهر لنا: أن الإمام النووي ـ رحمه الله ـ المتوفى في القرن السابع الهجري «ت676 هـ» هو أول من قال: إن ابن علية الم المنقول عن الفقهاء: إذا قيل: ابن علية إنه الأمام الكبير إسماعيل.
والحمد لله رب العالمين.
وهذا هو الرابط
http://www.al-multaqa.net/vb/showthread.php?t=3781
¥