تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بمعرفة عينها، جاءت الأدلة ترجح أنها في العشر الأواخر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"، أي التمسوها واطلبوها، ويتأكد أيضًا الطلب في السبع الأواخر، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن رجالاً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"، وكذلك أيضًا جاء قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "تحروا ليلة القدر في الوتر من السبع الأواخر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، في آخر ليلة"، فإن كان الشهر كاملاً فإن أوتار العشر ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وإن كان ناقصًا فالأوتار ليلة ثنتي وعشرين وأربع وعشرين، وست وعشرين، وثمان وعشرين، وليلة الثلاثين، وهذا يستدعي الاهتمام بطلبها في العشر كلها.

ولما كان كذلك خصها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمزيد من الاهتمام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر"، وظاهر إحياء الليل أنه يحي ليله كله، وجاء في بعض الروايات: "إذا دخل العشر طوى فراشه"، وفي بعضها: "لم يذق غمضًا" أي لم تغمض عيناه، يعني بالنوم، وثبت عن ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه صلى مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ليلة من ليالي العشر، فافتتح سورة البقرة واستمر فيها حتى هم ابن مسعود أن يجلس ويدعه لإطالته فيها، وصلى ليلة أيضًا ومعه حذيفة، فقرأ سورة البقرة كلها، ثم سورة النساء، ثم سورة آل عمران، يقرأ مترسلاً، وكذلك أيضًا ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يصلي ليله وهو معتكف في آخر الليل، فاقتدى به جماعة، وجعل يرفع لهم صوته بالقراءة وبالتكبيرات، وهذه أدلة على أنهم كانوا يتهجدون في ليالي العشر.

وهذا ونحوه دليل على أنه صلى جماعة بأصحابه أو ببعضهم في ليالي العشر الأواخر من رمضان، التماسًا لليلة القدر، وقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن عليّ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر، فإن غُلبتم فلا تغلبوا على السبع البواقي"، وعن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "التسموها في العشر الأواخر وترًا" رواه أبو يعلى والبزار، وعن معاذ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئل عن ليلة القدر فقال: "هي في العشر الأواخر قم في الثالثة أو الخامسة" رواه الإمام أحمد، ولأحمد وغيره عن جابر مثله، وعن عبادة بن الصامت وعن أبي هريرة وبلال وابن عمر وغيرهم، وروى ابن أبي عاصم عن عائشة قالت: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحورًا".

وأما صلاتها جماعة ففي السنن عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلم يقم حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: "من صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة"، ولما بقي ثلاث صلى بنا ودعا أهله ونساءه، حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، وروى النسائي عن النعمان بن بشير مثله، وروى مالك في الموطأ عن السائب أن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما بالناس، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر، وروى مالك عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد عن أبيه قال: كنا ننصرف من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور.

فهذه آثار رواها هؤلاء الأئمة، ومنهم مالك بن أنس الذي أدرك أولاد الصحابة وبعض التابعين، ذكر أنهم يصلونها جماعة إلى آخر الليل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير