تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه مسألة، اما المسألة الثانية فهي أنه لا يلزم من خرور الشمس، وذلك بالسفول والارتفاع كما في الحديث عند مسلم:"حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت"، أقول لا يلزم من خرور الشمس أن تنزل نزولاً ملحوظ المقدار او ترتفع ارتفاعا ملحوظ المقدار كذلك، فالحديث أطلق ولم يذكر مقدار مسافة الخرور سفولاً ولم يعين مقدار مسافة الارتفاع عندما تقضي سجودها واستئذانها كما ان الحديث (كما ذكرناه) لم يعين مقدار زمن سجودها وكذا استئذانها. ولنضرب على ذلك مثلاً: أليس يصح السجود بالإيماء البسيط الذي لا يكاد يرى من المريض الذي لا يستطيع الحراك؟ فهذا الذي يوميء بالسجود إيماء حتى ولو كان يسيراً جداً يصح سجوده ويقع منه، فكيف إذا علمنا ان سجود الشمس بطبعه مختلف ويرد على صفته (أي سجود الشمس) من الممكنات والاحتمالات ما لايرد ولا ينطبق على سجود الآدمي. وعليه فالذين يتوقعون أو يتصورون من خرور الشمس واستئذانها مسافة معينة او زماناً مقدراً عليهم الدليل الذي بموجبه اختاروا هذا التقييد. ولا يصح منهم تصورهم الذي يلزمون به أنفسهم أو يلزمون به غيرهم بناء على القياس والمقارنة بين سجود الشمس وخرورها وكذا سجود الآدمي وخروره. بل هنا فائدة لطيفة وهي أن الخرور قد يأتي بمعنى الركوع وعلى هذا المعنى لا يلزم أن يكون النزول كاملاً ملحوظاً كما لو كان في السجود الحقيقي الكامل، قال تعالى:"وخر راكعاً وأناب" الآية. وقياساً على هذا المعنى (لا قياساً على فعل الآدمي) نقول أنه لا يلزم من خرور الشمس أن يكون خروراً بالغ السفول بحيث يستنكر الناس منها ذلك. وقبل ذلك كله ذكرنا أن الحديث لم يبين مقدار مسافة السفول او مقدار مسافة الارتفاع فقد يقع منها الخرور والارتفاع بمقدار يسير لا يلحظه احد وذلك بسنتيمترات يسيرة مثلاً والحديث بإطلاقه لهذا الأمر لا يمنع من هذا الاحتمال.

وأما بخصوص منتهى سجودها وكذلك مسألة المحاذاة التحتية للعرش فلا بأس من إعادة ذلك لتكتمل الصورة:

ومع أن الشمس و المخلوقات بأجمعها تحت العرش في كل وقت إلا أنه لا يلزم أن تكون المخلوقات بأجمعها مقابلة لمركز باطن العرش لأن العرش كالقبة على السماوات والمخلوقات، والشمس في سجودها المخصوص إنما تحاذي مركز باطن العرش فتكون تحته بهذا الإعتبار كما ذكره ابن كثير في البداية بشأن المحاذاة التحتية للعرش، وكما قرره ابن تيمية رحمه الله في فتاواه وسائر أئمة اهل السنة من حيث أن العرش كالقبة وهو معلوم من حديث الأعرابي الذي أقبل يستشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم وقصته مشهورة ثابتة.

وهذا السمت أو الحد او المنتهى المعبر عنه في الحديث بالحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خطوط الطول الممتدة بأعداد متتالية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فإذا حاذت الشمس سمت أو حد السجدة مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها ان توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم توقف الشمس عن الحركة (وقوفاً يلحظه أو يستنكره الناس).

أما هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- فإنه لا قبل للناس بمعرفة مكانه. قال رحمه الله في التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم":" وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعاً لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي" ا. هـ.

هذا ما تيسر لي كتابته، وكما قد قيل ... هناك مسائل تستعصي على الذهن لأنها من محارات العقول لامن محالات العقول. ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك طبيعة الإلكترون في الفيزياء الكمومية حيث وجدوه يتنقل بين مستويات الطاقة فيظهر فجأة هنا ثم فجأة هناك دون أن يلاحظ الملاحظ خط السير الذي يسلكه الإلكترون للظهور في هذه المواقع المختلفة. احتار العلماء في ذلك ولكنهم لم يعتبروه من المحالات والسبب بسيط وهو أنهم استطاعوا أن يروا ويدركوا الإلكترون على حاله هذه فلم يكن ذلك من المحالات (لأنه لو كان محالاً لما أدركوا هذه الحالة أصلاً) ولكنهم لم يستطيعوا تفسير الظاهرة فكان ذلك من المحارات.

فسبحان من بيده ملكوت كل شيء، العزيز الحكيم.

ـ[عطية]ــــــــ[14 - 04 - 05, 12:44 م]ـ

أود أن ألخص الإشكالات الواردة في الحديث لأن الكثير ممن عقبوا وأجابوا لم يلمسوا بعضها عن قرب.

الأول: إذا كان سجود الشمس يتم عند الغروب فمتى يكون هذا الغروب؟ علما بأن الغروب نسبي، والشمس تغرب في كل لحظة وتشرق في كل لحظة. الحديث يتكلم عن غروب معين وهو من ناحية علمية قطعية غير موجود.

الثاني: ما المقصود بفعل الذهاب الذي تقوم به الشمس بعد الغروب؟ الظاهر هو الانتقال وتغيير المسار لكنه مستحيل علميا ومن هنا لجأ بعض المفسرين إلى القول بأنه ينسلخ روح من الشمس هو الذي يقوم بالذهاب والسجود وهذا التأويل فيه ما فيه.

الثالث: كيف تذهب الشمس إلى تحت العرش وهي تحت العرش أصلا، ذكر بعضهم المعلقين أنها تذهب تحت مركز العرش وهذا تأويل بعيد من ناحية لغوية.

ومن وجهة نظري أرى أن يتم النظر بتمعن في سند الحديث نظرة فاحصة، (سمعت بعضهم يقول أنه يدور على راو مدلس وقد احتمل الأئمة تدليسه)، فكون الحديث في الصحيحين لا يعني كونه قرآنا بل أبى الله أن يتم إلا كتابه كما قال الإمام الشافعي، وكم للأئمة من كلام حول بعض أحاديث الصحيحين حتى العلامة الألباني رحمه الله انتقد عددا غير يسير منها. وهذا المنهج من وجهة نظري أيسر من التكلفات والتأويلات التي ذكرها الإخوة المعقبون والتي لو أتى أحد المخالفين بأدنى شيء منها في أي حديث آخر من أحاديث الاعتقاد لرمي بالتعطيل والجهمية. والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير