تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 ــ أبو حامد الغزالي رحمه الله ــ بعدما ذكر علوم المجتهد ــ قال: (دقيقة في التخفيف يغفل عنها الأكثرون) اجتماع هذه العلوم الثمانية إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع، وليس الاجتهاد عندي منصباً لايتجزأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض، فمن عرف طريق النظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسية وإن لم يكن ماهراً في علم الحديث، فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها وإن لم يكن قد حصل الأخبار التي وردت في مسئلة تحريم المسكرات أو في مسئلة النكاح بلا ولي فلا استمداد لنظر هذه المسئلة منها ولاتعلق لتلك الأحاديث بها فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصاً؟، ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه فما يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرِّف قوله تعالى «وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين» وقس عليه ما في معناه، وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسئلة فقد سُئل مالك رحمه الله عن أربعين مسئلة فقال في ستة وثلاثين منها لا أدري، وكم توقف الشافعي رحمه الله بل الصحابة في المسائل فإذاً لايشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي، فيفتي فيما يدري ويدري أنه يدري، ويميز بين مالا يدري وبين ما يدري، فيتوقف فيما لايدري ويفتي فيما يدري) (المستصفى) جـ 2 صـ 353 ــ 354.

3 ــ ابن الصلاح رحمه الله ــ بعد ماذكر علوم المجتهد المستقل ــ قال: (إنما يُشترط اجتماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاصٍ من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما. فلا يشترط فيه جميع ذلك، ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض، فمن عرف القياس وطرقه وليس عالماً بالحديث فله أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أنه لاتعلق لها بالحديث. ومن عرف أصول المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن عالماً بأحاديث النكاح، ولا عارفاً بما يجوز له الفتوى في غير ذلك من أبواب الفقه. قطع بجواز هذا الغزالي، وابن بَرهان، وغيرهما. ومنهم من منع من ذلك مُطلقاً. وأجازه أبو نصر بن الصَّبَّاغ، غير أنه خصصه بباب المواريث. قال: لأن الفرائض لا تنبني على غيرها من الأحكام، فأما ماعداها من الأحكام فبعضه مرتبط ببعض.

والأصحُّ أن ذلك لايختص بباب المواريث، والله أعلم.) (أدب المفتي) صـ 89 ــ 91. وابن بَرهَان هو أبو الفتح أحمد بن علي بن بَرْهان الأصولي فقيه شافعي، ت 518. وابن الصبّاغ هو أبو نصر عبدالسيد بن محمد بن عبدالواحد بن الصَّبَّاغ، من كبار أئمة الشافعية، ت 477 هـ.

4 ــ ابن تيمية رحمه الله قال: (والاجتهاد ليس هو أمراً واحداً لايقبل التجزي والانقسام، بل قد يكون الرجل مجتهداً في فن أو باب أو مسألة دون فن وباب ومسألة، وكل أحد فاجتهاده بحسب وسعه) (مجموع الفتاوي) جـ 20 صـ 212.

إلا أن ابن تيمية أشار إلى أن هذا لا يتأتي إلا لمن حَصَّل العلوم اللازمة للاجتهاد، فقال: (وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزي والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز، وقد يكون الرجل قادراً في بعض عاجزاً في بعض، لكن القدرة على الاجتهاد لاتكون إلا بحصول علوم تفيد معرفة المطلوب، فأما مسألة واحدة من فن فيبعد الاجتهاد فيها، والله سبحانه أعلم.) (مجموع الفتاوي) جـ 20 صـ 204.

5 ــ ابن القيم رحمه الله قال: (الاجتهاد حالة تقبل التجزُّؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو في باب من أبوابه. كمن استفرع وُسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفَتْوى فيما لم يجتهد فيه، ولاتكون معرفته بما اجتهد فيه مُسَوغة له الإفتاء بمالا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.

فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير